Kabbalah.info - Kabbalah Education and Research Institute

عالم الكابالا باروخ اشلاغ

عالم الكابالا باروخ شالوم هالفي أشلاغ ١٩٠٨ – ١٩٩١

rabash

تأثير البيئة على الإنسان

هناك عُرف مُتعارف عليه ومُتبعٌ في العالم كله وهو أنه لا يصحّ أن يضع الإنسان ذو المهارة العالية نفسه مع أناس من أهل مهنته الغير المحترفين والغير ماهرين في عملهم ليتعلم من أفعالهم . فعلى سبيل المثال إذا أخذت إسكافي ووضعته مع غير الماهرين من أبناء حرفته سيؤثرون عليه بتفكيرهم بأنّ العناء غير مستحق في بذل الجهد الكثير في عمل حذاء جيد النوعية وعدم المبالاة من ناحية الجودة والنوعية لآن العناء باطل وبدون إستحقاق.

أو إذا أخذت خياطًٌا, فإذا كان بارعًا وماهرًا في مهنته عندما يكون ضمن هؤلائك الغير بارعين من أهل مهنته فهم سيؤثرون على تفكيره في عدم الضرورة بأن يُجهد نفسه في عمل الألبسة اللائقة في المظهر والنوعية وليس من الداعي أن يُتعب ويُجهد نفسه في المحاولة أو حتى التفكير في العمل.

ولكن في حال تواجد البناء بين الخياطين فهو لا يستطيع أن يتعلم من أفعالهم الشيئة لسبب عدم وجود أي ترابط بين كلا المهنتين ولكن في مجال المهنة نفسها يجب على الإنسان أن يراقب نفسه ويحذر من التعامل إلا ّ مع هؤلاء أصحاب القلب الصافي والنقي.

تماشيًا مع الأمثلة السابقة كذلك الحال بالنسبة لأي إنسان يخدم الخالق, فيجب عليك أن تكون يقظًا وتحترس لترى إذا كان هو خادمًا ماهرًا في عمله , بمعنى أنه دائمًا يسعى بأن يكون عمله نظيف وبنيّة طاهرة وصادقة والقصد منه هو لتمجيد إسم الخالق. ففي أقل الأحوال يجب أن يعلم بأنه ليس عاملاً ماهراً ويجب أن يلتمس النصيحة والإرشاد داخل نفسه لكي يكون عاملا ً بارعًا وليس عاملا ً عاديا ً يسعى وراء الربح والمكافأة فقط.

لكن العامل الماهر والجيد هو الرجل الذي لا يأخذ بعين الإعتبار المكافأة ولكن يرغب أكثر في أن ينعم ويستمتع في عمله. فإذا أخذنا مثال الخياط الماهر, فعندما يعلم أن الملابس التي صنعها ملائمة بمقايسها على الزبون وتظهر بفائق الأناقة واللياقة على الذي يرتديها فإن رؤية نتيجة عمله ستمنحه متعة أكثر من المتعة التي سيجنيها من الحصول على الربح المادي مقابل عمله.

كذلك الأمر بالنسبة لهؤلاء اللذين ليسوا من أهل حرفتك فإنه ليس من المستحيل عليك التواجد معهم وبينهم إذا كنت تعمل في حرفة البناء وهم يعملون في الدباغة ولكن بالنسبة لهؤلاء اللذين يعملون في مجال علم هذه الحكمة وهم غير مبالين في عملهم كالخياط الذي لا يهتم إذا كانت الملابس ملائمة وتوافق مقاييس الزبون بل أن فكرهم خارج عن أصول وتعاليم هذه الحكمة والوصايا والكتاب, هنا يجب عليك الحذر الدائم في التعامل مع هؤلاء وأن تكون متيقظا ً من ناحية هؤلاء وأبقى بعيدا ً عنهم. ولكن الأمر ليس هكذا مع الأشخاص العاديين.

أولاً: إحذر من هؤلاء ذو الفقاهة والحذاقة في التلاعب في الأمور الروحية وتفسيرها بشكل مقنع لمنطق الإنسان وليس كما يستوجب فهمها.

ثانيًا: إحذر من هؤلاء اللذين يستترون وراء ستار العلم والفقه زاعمين الروحيات, يجب أن تكون على إحتراس شديد من هؤلاء.

ثالثًا: ومن هؤلاء اللذين على معرفة في كتابات والدي صاحب السلم ودرسوا الحكمة لغرض إشباع رغباتهم الأنانية, كن يقظا ً من ناحيتهم وإحترس جداً.

والسبب في ذلك هو: ان في عالم "النيكوديم" أي ملخوت من دون زيفوك عليها بمعنى أنها في حال كونها نقطة سوداء وفارغة وليس لديها القدرة على إظهار النور المنعكس, أن "ملك دائات" أي أكبر وأعلى مرتبة الملوك, وهي درجة "كتيير" الجذر في أي درجة أي الملك الأول سقط إلى القعر, وهذا لسبب أن "الإرادة في التلقي" والتي بدورها تجذب النور تكون على أعلى الدرجات عندما يكون لها "مساخ" أي الحاجز أنظر شرح الكلمات لذلك كان سقوطها أعظيم من سقوط القوات الأخرى بسبب فقدانها للمساخ.

بإمكاننا تفسير هذا كما يلي. أن هؤلاء الناس عندما يسلكون في طريق الحق في خدمة الخالق يكون لديهم مقياس الضِعف من الإرادة في التلقي للواقع المادي والواقع الروحي معًا. عندما كانوا قريبين من صاحب السلم وكانوا يرتون من النور كالمتطفلين معتمدين عليه في حجم المساخ وقوة "الأفيوت" الكلي, ولكن الأن وبعد رحيله ليسوا خاضعين لأي سلطة وليس لديهم أي رغبة في بذل الجهد لإكتساب المساخ لأنفسهم, أصبح همهم الوحيد أن يظهروا بمظهر المعلمين الحكماء فقط لا غير.

في هذه الحالة لدينا هنا أفيوت من دون مساخ أي مقدار كبير من الإرادة في التقبل - من الأنانية وحب الذات وبالتالي يعلّمون الآخرين مما عندهم. بالنسبة لي أنا ليس لدي أي ثقة من ناحيتهم, ولا يستطيع أحد أن يمنعهم عنما يفعلون. أنا أشرت إلى هذا بشكل إيجازي لأنني لا أرغب في التفكير بهم لأنكم تعلمون أن قلب الإنسان فيما يفكر به.

لفهم الموضوع بشكل أوضح سأطرح مثالا ً بسيطًا : من المعروف أن بين كل درجة ودرجة يوجد وسط مُكوّن من مزيج كلا الدرجتين معًا

أ - بين درجة الجماد ودرجة النباتي يوجد الوسط ويدعى "الحجر المرجاني".

ب - بين درجة النباتي ودرجة الحيواني "ذو الحياة" يوجد وسط وهو الصخرة في الحقل أي الحيوان المرتبط بالأرض بحبل سرّي ويتلقى غذائه منها.

ت : وبين درجة الحيواني والمتكلم يوجد وسط وهو القرد

والسؤال هنا ما هو الوسط بين الحق والباطل؟ وما هي الدرجة التي نشأت من هذا المزيج بين هاتين الدرجتين؟

قبل أن أوضح أريد أن أضيف قانون كقاعدة من أجل توضيح الفكرة. من المعروف انه من الصعب بل من المستحيل رؤية الأشياء في حجمها الدقيق والصغير بالعين المجردة ولكن من الأسهل بكثير رؤية الأشياء الكبيرة. كذلك الأمر عندما يقترف الإنسان أكاذيب صغيرة فهو لا يستطيع رؤية الحقيقة في أنه سائر في طريق الكذب والباطل. بل في الأحرى أنه مقتنع في أنه يسير في طريق الحق. ولكن لا يوجد وهمٌ ولا كذبة أكبر من هذه والسبب هو أن هذا الإنسان لم يرتكب من الكذب بشكل متوفر وكافٍ حتى يكون بإمكانه رؤية الحقيقة

ولكن عندما يكتسب هذا الإنسان حياة ملؤها الكذب إلى أن تصبح حياته مغمورة بالأكاذيب لدرجة أنه يكون بإستطاعته أن يراها هذا إذا كان يرغب هو في رؤيتها والإعتراف بها في نفسه عندها يبداء يرى بأنه سائر في طريق الأباطيل ويرى وضعه على حقيقته. بكلمة أخرى أنه يرى الحق في نفسه وكيف يكون بإمكانه أن ينتقل للسير على طريق الحق.

يتنع ذلك أن من نقطة معرفة الحق هذه أي معرفته انه سائر في طريق الباطل, أن هذه النقطة هي الوسط بين الحق والباطل . هذه النقطة تكون بمثابة الجسر الذي يصل بين الحق والباطل. وهذه النقطة هي أيضا ً نهاية الكذب ومن هنا وصاعدا ً تكون بداية طريق الحق.

هنا نستطيع أن نرى إذا أردنا الحصول على بركة "ليشما" أنظر شرح المفردات يجب أن نصل أولا ً إلى "لو-ليشما" في أكبر مراحلها, فعندها فقط نستطيع الوصول إلى "ليشما". وهكذا هنا "لو - ليشما" تدعي الكذب, "ليشما" تدعى الحق. ففي حال أن الكذبة صغيرة وحفظ الوصايا والأعمال الحسنة قليل فالشخص هنا يملك جزء صغير من "لو - ليشما" وبالتالي لا يسنطيع رؤية الحق. ولهذا السبب في هذه المرحلة يقول الشخص بأنه يسير على طريق الحق أي أن عمله في "ليشما" أي أنه يصنع الحق. ولكن عندما يُشغل نفسه في دراسة الحكمة ليلا ً ونهارًا وهو في حالة "لو - ليشما" عندها يستطيع رؤية الحق, بما أن أكاذيبه تراكمت وتكدسة بكثرة فقد كبرت الكذبة إلى درجة يستطيع رؤيتها وأن يرى بأنه يسير في طريق الباطل وعندها يبداء بتصحيح أفعاله. بكلمة أخرى أنه يشعر بأن كل ما يفعله هو ضمن إطار "لو - ليشما" ومن هذه النقطة يستطيع الإنسان أن يعبر إلى طريق الحق إلى "ليشما". هنا فقط ومن هذه النقطة يبداء التطبيق العملي للقول "ينتقل الإنسان من لو- ليشما إلى ليشما". ولكن قبل هذه المرحلة إن كل ما يشرع به الإنسان هو المجادلة بأنه يعمل كل أفعاله من أجل "ليشما" وبالتالي كيف يمكنه أن يغير طريقه؟

لذلك إذا كان الإنسان يتسكع مُتكاسلا ً في العمل ومهملا ً فلن يتمكن من رؤية الحقيقة وبالتالي فهو مُنغمرٌ تماما ً في الباطل. ولكن كلما زاد من جهده في البحث وفي دراسة الحكمة لهدف إرضاء الخالق, عندها يستطيع الإنسان رؤية الحق أي إدراكه بأنه يخطو في طريق الباطل وأنه في "لو-ليشما". إدراكه هذا هو ما يدعى بنقطة الوسط بين الحق والباطل. إذًا يجب علينا أن نكون أقوياء وواثقين بأننا نسير على الطريق الصحيح ليكون كل يوم ٍ نعيشه يومًا جديدًا, فإننا بحاجة إلى تجديد أساس المعرفة والإدراك لدينا لكي نسير دائمًا إلى الأمام


هدف المجتمع

نحن هنا لهدف تأسيس مجتمع لكل من لديه الرغبة في أن يسير ويسلك في طريق عالم الكابالا صاحب السلم, الطريقة التي بواسطتها يستطيع المرء الإرتقاء إلى درجة "المتكلم" أي مستوى آدم ولا يعيش على المستوى البهيمي للحياة, كما قال حكماؤنا في ( يفاموت رقم ٦١) بخصوص المقطع الذي ينص قائلا ً: "وأنتم با غنمي ويا غنم مرعاي أنتم أناس" وأيضًا قال عالم الكابالا الراشبي: أنتم تدعون أناسٌ وأما عبدة الأصنام لا يُدعون أناساً.

لشرح وفهم أهلية وميّزة هذه الدرجة التي ندعوها "آدام - إنسان" لنأخد مقطع من أقوال الحكماء والذي ورد في (بيراخوت رقم ٦) : دوّن في هذا المقطع إن خلاصة الموضوع وختام الأمر كله مُعلن وهو إتق الرب وإحفظ وصاياه لأن هذا هو الإنسان كله, من كتاب الجامعة للملك سليمان بن داود. والسؤال هنا هو عنما يخص العبارة "لأن هذا هو الإنسان كله" هنا يشرح عالم الكابالا أليعازر ويقول: قال الخالق أنّ العالم بأكمله خُلق فقط من أجل هذا الغرض وهذا يعني أنّ العالم بأكمله خُلق من أجل أن يخاف الإنسان الرب ولكن يجب علينا أن نفهم ما هي مخافة الرب والتي من أجلها خُلق العالم.

من كلام الحكماء نعلم بأن الهدف من وجود الخليقة هو أن يُغدق الخالق البركة والبهجة على خليقته, وهذا معناه أن الخالق يُحب أن يُنعم على خليقته لكي يكونوا سعداء وفرحين, لهذا هنا قال الحكماء عن القول "لأن هذا هو الإنسان كله" أنه سبب الخليقة هو مخافة الرب وإتقائه ولكن وفقا ً للشرح الذي ورد في مقال "إعطاء الوصايا" مكتوب بأن السبب في عدم تلقي الإنسان الخير والبركة مع أنّ هذا هو السبب لوجود الخليقة هو بسبب التباين في السمات بين الخالق والمخلوق. فالخالق هو عطاء مطلق والمخلوق هو المتلقي "الإرادة في الآخذ للذات", وأنه هنا يوجد قانون يستوجب تماثل الأغصان مع الجذور التي نمت هذه الأغصان منها وبما أنه لا يوجد سمة الأنانية وحب الذات في الجذور أي بمعنى أنه ليس عند الخالق أي عجز أو نقص وليس لديه حاجة في تلقي أي شيء لإشباع رغبته.

سبب التباين هذا هو ما يبعث في الإنسان الشعور بالكره والبغضة عندما يكون لديه الحاجة في التلقي من الآخرين وهذا هو السبب أن كل شخص يشعر بالحياء والخجل عندما يأخذ عطية أو حسنة ما. ولتصحيح هذا الشعور إستوجب خلق العالم. "أولام" اي العالم والتي معناها "ها-ئيليم" ستر - حجب - أخفا أي أن البهجة يجب أن تكون في مكان مخفي ومتوارية عن الأنظار, لماذا ؟ الجواب هو الخوف. بكلمة أخرى أنه يجب أن يكون عند الإنسان الخوف في إستخدام "حب الذات" كهدف وهذا يعني لأن يجب على المرء أن يمتنع عن تلقي البركة البهجة بسبب أنه يشعر بالحاجة إليها لإشباع ذاته, بل يجب أن تكون لديه القوة ليسود على هذه الشهوة والتي هي مصدر الرغبة عند الإنسان بالأحرى يجب أن يتلقى الإنسان البهجة والمسرة لغرض إرضاء الخالق, بمعنى أن يريد المخلوق أن يُنعم على الخالق وبأن تكون لديه مخافة الرب بأن لا يأخذ لإشباع ذاته نظرًا إلى أن الأخذ لإشباع الأنانية وحب الذات يُسبب إنشقاق الإنسان وإبتعاده عن الخالق.

لذلك عندما يقوم الإنسان في تنفيذ إحدى وصايا الرب يجب أن يكون الهدف من حفظ الوصية هو أن توّلد لديه أفكار طاهرة ونقيّة ليتمكن من إرضاء الخالق في حفظ وصاياه. كما قال عالم الكابالا حنانيا بن أكاشيا: لرغبة الخالق في تطهير شعبه أعطاهم الوصايا للحفظ.

ولهذا السبب نحن هنا معا ً لتأسيس مجتمع تسوده روح المحبة الطاهرة والذي فيه يتمكن كل إنسان من أن تكون لديه الرغبة في الإنعام على الخالق وإرضائه ولبلوغ هذه المرحلة يجب أن نبداء بالإنعام على الإنسان هذا ما يُسمى - بمحبة الآخرين. ومحبة الآخرين ليست ممكنة إلا ّ بإلغاء وإبطال الأنانية وحب الذات عند الإنسان. من ناحية يجب أن يشعر الإنسان بالتواضع والوداعة ومن ناحية أخرى يشعر بالفخر بأن الخالق أعطانا الفرصة بأن نكون جزء من مجتمع كل فرد فيه يسعى نحو الهدف نفسه في وجود الخالق معنا.

بما أننا لم نصل إلى تحقيق هذا الهدف بعد ولكننا لدينا الرغبة في تحقيقه, وهذا شيئ جدير بالتقدير من ناحيتنا فبالرغم من أننا ما زلنا في بداية الطريق غير أننا نأمل ونرغب في تحقيق الهدف السامي.


وساعد كل واحد صاحبه

يجب علينا أن نفهم كيف يكون بإستطاعة أي إنسان مساعدة صاحبه أو اخيه الإنسان. وهل هذا مطلوب حيث يوجد أناسٌ من كل الفئات أي الغني والفقير, الحكيم والأحمق, الضعيف والقوي؟ ولكن إذا كان الكل أغنياء وأذكياء وأقوياء و......الخ كيف يكون الإنسان قادرًا على مساعدة الإنسان الآخر؟

نرى بأن هناك عامل واحد مشترك بين الجميع وهو مزاج الإنسان. فقد قيل "إذا كان عند الشخص همٌّ ما في قلبه فليتكلم عنه مع الآخرين" وهذا لسبب إذا كان الأم يتعلق بإحساس الشخص بالفخر بنفسه وبالكبرياء ففي هذه الحالة لا يوجد وسيلة أو معرفة مهما كانت واسعة وشاملة بإستطاعتها مساعدة هذا الشخص.  

بالأصح أنه الشخص الوحيد والذي يستطيع مساعدة الآخر هو الذي يرى صاحبه في حالة ضعف. فإنه مكتوب "لا يستطيع أي إنسان تخليص نفسه في كونه حبيس الضعف". بالأحرى أن صاحبه هو الذي يستطيع مساعدته ورفع معنوياته.

بمعنى أن صاحب هذا الإنسان هو الذي يستطيع رفعه من حالة الضعف هذه إلى حالة مفقمة بالحياة بمساندته له. من ثم يبداء الإنسان بإكتساب القوة والثقة بالحياة ووفرتها, ويأخذ يسعى نحو الهدف وكأنه في متناول يده. لقد إتضح بأنه يجب على كل واحد منا بأن يكون متيقظًا ويفكر كيف بإمكانه مساعدة صاحبه في رفع معنوياته, فإن في متناول أي إنسان دائما ً أن يجد الحاجة لدى صاحبه في مساندته ورفع معنوياته, لأنه من هذه الناحية يستطيع أي شخص أن يجد هذه الحاجة عند صاحبه ويستطيع أيضا ً أن يملئها.


هدف المجتمع ٢

بما أن الإنسان خُلق مع الكلي "الإناء" والتي تدعى "حب الذات" فإن أي عمل لا يرى فيه الإنسان أي نوع من الفائدة التي يستطيع جنيها لنفسه لن يكون لديه أي باعث أو حافز يُحرضه للقيام بأي عمل. ولكن من ناحية أخرى من غير أن يُبطل الإنسان أنانيته ويُبطل حب الذات لديه فإنه من المستحيل أن يُحرز "دفيكوت" التقرب والإتحاد أو الإلتصاق بالخالق, بمعنى أنه يصل إلى درجة التوازي في السمات مع الخالق أي تبني سمات الخالق في المخلوق.

وبما أن هذا العمل مُضادٌ ومناقضٌ تمامًا لطبيعتنا الأنانية لهذا نحن بحاجة لمجتمع والذي يكون بمثابت قوة كبيرة لنستطيع أن نعمل معا ً على مَحق الغرور والأنانية وحب الذات الذي هو "الشر" بعينه, الشر الذي يمنع ويحول بيننا وبين الهدف الذي خُلق الإنسان لأجله.

لهذا السبب يجب أن يتكون المجتمع من أفراد يتوافقون الرأي بالإجماع على الإلتزام في تحقيق الهدف, عندئذ وبما أن كل فرد مُرتبط بالآخر, يصبح هؤلاء الأفراد قوة عظيمة بإمكانها الوقوف ضد الأنانية ومحاربة حب الذات والغرور معًا. إن كل شخص لديه الرغبة الأساسية في إحراز الهدف السامي ليستطيع كل واحد منا الإرتباط بالآخر يجب على كل شخص أن يُقاوم ويُبطل أنانيته مقابل الآخرين من المجموعة وهذا يكون في أن يرى الإنسان ماهو صالح في صديقه أو صاحبه وليس ضعفاته وأخطائه. ولكن إذا كان أحد يفتكر بأنه على درجة روحية أعلى من الآخرين هذا الشخص لن يستطيع الإرتباط مع المجوعة.

وأيضًا أنه من المهم جدًا أن يبقى الإنسان جديا ً في التركيز في حين إجتماعه مع الآخرين حتى لا يشرد بإنتباهه ويبتعد في نيته عن غرض وهدف إجتماعهم سويًا لأنه لأجل إرتباط نوايا القلوب برباط المحبة ومحق الشر إجتمعوا معًا. أما من ناحية أن يكون الإنسان متواضعًا, هذا شيء عظيم, فيجب على كل إنسان أن يعتاد بأن يكون عاديًا في المظهر ولكن قلبه يتقد بالرغبة للوصول إلى الهدف.

ولهؤلاء المبتدئين والجدد, ففي حين إجتماعهم مع المجموعة يجب على الفرد أن يحترس وأن يكون مُتيقظًا بأن لا يتبع الكلام والأعمال التي لا تذعن للخضوع للهدف الذي من أجله تمّ الإجتماع, وهو الحصول على "الدفيكوت" أي للتقرّب من الخالق.

ولكن إذا كان الإنسان وحده وليس مع الأصدقاء من المجموعة, فمن الأفضل ان لا يُظهر نوايا قلبه أمام الآخرين من العامة بل أن يكون كواحد منهم, وهذا هو المقصود بالقول: "أن يمشي الإنسان بتواضع أمام الرب الإله", ومع أن هناك تفسير لما سبق على درجة روحية أعلى من الذي ورد ولكن التفسير البسيط جيد أيضا كما أنه من الجيد أن يكون هناك تساو ٍ بين الأصدقاء اللذين يجتمعون معا ً لسبب أن كل فرد يستطيع أن يمحق رغباته الأنانية أمام الآخرين. وهنا أيضا ً يتوجب الحذر والحرص في المجتمع "المجموعة الكبيرة" غير مُعطين مكانًا للعبث والطيش والعمل التافه بين الأفراد بما أنّ العبث والطيش يُلحق الضرر ويؤدي إلى الخراب ودمار كل شيء. ولكن وكما ورد سابقًا بأن هذا العمل يجب أن يكون مسألة باطنية - أي في داخل نفس الإنسان ولكن في حال تواجد زائر ليس من المجموعة ولا يسعى في طريق الهدف نفسه, يجب عدم إظهار أي من الأمور التي تًناقش عادة بعمق ولكن الأفضل أن نتماشى مع هذا الإنسان على درجته كونه مبتدئ في المجموعة وعلى هذا المستوى من النقاش.

بكلمة أخرى تجنب التكلم بأمور معقدة وصعبة في حضورالشخص المبتدئ ولكن تناقشوا بالأمور التي تخصه وبمكان الأهمية لهذا الشخص الجديد في المجموعة والذي يُقال عنه  "زائر من دون دعوة".  


محبة الآخرين

"وجده رجلٌ وإذا هو ضالٌ في الحقل. فسأله الرجلُ قائلا ً ماذا تطلب. فقال أنا طالب إخوتي. أخبرني أين يرعون فقال الرجلُ لقد إرتحلوا من هنا من سفر التكوين: ٣٦

إن الرجل "التائه في الحقل" يُنسب إلى المكان الذي منه يأتي المحصول الذي يُقيت ويسند العالم. فعمل الحقل هو في الفلاحة والزرع والحصاد وقيل بهذا الشأن: "الذين يزرعون بالدموع يحصدون بالإبتهاج والفرح". وهذا ما يُطلق عليه - الحقل الذي باركه الرب

شرح عالم الكابالا هاتوريم عن هذا قائلا ً: إن الرجل التائه في الحقل يُنسب إلى الشخص الذي إنحرف عن طريق الحق أي "المنطق" والذي لا يعرف الطريق الصحيح ليسلك فيه والذي ينتهي به إلى المكان الذي يريد أن يصل إليه, كمثل "البهيمة التي تنحرف عن الطريق وتجول تائهة" وهكذا يصل الشخص إلى مرحلة يظن فيها بأنه من المستحيل إحراز الهدف الذي يريد إدراكه.

وسأله الرجل قائلا ً: من تطلب؟ ومعنى هذا " كيف أستطيع أن أساعدك؟ "فأجابه وقال: "أنا أبحث عن إخوتي". فعندما أكون مع إخوتي  بمعنى أنه عندما أكون مع المجموعة المرتبطة برباط المحبة الطاهرة والقائمة على مبداء محبة الآخرين, أستطيع أن أسلك في الطريق الذي يؤدي بي إلى بيت الرب.

هذا الطريق يُدعى "طريق العطاء المطلق" وهو الطريق المعاكس تمامًا للأنا - لطبيعتنا الأنانية. ولكي يكون بإمكاني إحراز طريق العطاء والسلوك فيه لا يوجد إلا ّ وسيلة واحدة فقط لا ثاني لها وهي محبة الآخرين. المحبة التي من خلالها يُساعد كل واحد صديقه للوصول إلى الهدف.

وقال له الرجل: "لقد رحلوا من هنا". فسّرَ عالم الكابالا راشي هذا كما يلي: رحلوا من هنا بمعنى أنهم تخلوا عن المحبة الأخوية وسلكوا في طريق مختلف أي أنهم لا يرغبون في الإرتباط معك في المحبة, هذا التصرف ما ادى في النهاية إلى وقوع إسرائيل تحت نير العبودية في مصر "تحت نير الأنا" وفي ما بعد خلاصهم وخروجهم من مصر. فيجب علينا أن نأخذ على عاتقنا الإنتماء إلى المجموعة المبنيّة على أساس محبة الآخرين بقلب طاهر وصادق ففي هذا نجد البركة والمكافأة في الحرية والخروج من مصر أي من عبودية الأنا, وتلقّي النور وإحراز سمة العطاء.

 

الصحيفة الشهرية

أضف الموضوع إلى صفحتك

Soundcloud


إكتشاف أسرار الوجود

إكتشاف أسرار الوجود والحكمة الخفية وراءه

 

إكتشاف أسرار الوجود
والحكمة الخفية وراءه
للتحميل الكتاب


إكتشاف أسرار الوجود - سؤال وجواب

 

إكتشاف أسرار الوجود -
سؤال وجواب
للتحميل الكتاب

دروس في علم الكابالا

self study-kabbalah.info

الحلقة الدراسية الحرة

هدف هذه الدورة الدراسية هو إعطاء 
فكرة عن ماهية علم حكمة الكابالا
وكتاب الزوهار 

  بإمكانك إرسال سؤالك من عبر الموقع 
وتتلقى جواباً