Kabbalah.info - Kabbalah Education and Research Institute

مواضيع للقراءة والبحث

مواضيع مُتنوعة ومُفيدة في معرفة علم حكمة الكابالا

تاريخ علم الكابالا وكتاب الزوهار

1_19_ 

إن أبونا وسيدنا إبراهيم عليه السلام هو أول عالم في علم حكمة الكابالا المعروف لدينا. رأى سيدنا إبراهيم عظمة ومعجزة الوجود الإنساني وبُنية الكون وعمل قوانين الطبيعة وسأل أسئلةً كثيرة عن الخالق مُستفسرًا عن عظمة الخليقة فظهر له العالم الأعلى من خلال الوحي والإلهام. هذه المعرفة التي إكتسبها والطريقة التي إستخدمها في إكتساب هذه المعرفة دونها وحفظها للأجيال القادمة. فعلى مَر العصور إنتقل علم الكابالا من عالم كابالا إلى آخر بشكل شفوي فمًا لفم وكلٌ منهم أضاف براهين تجربته الشخصية لجميع قوانين النظرية المنصوص عليها لهدف جمع الكم الأكبر من المعرفة. وكل الإنجازات التي توصل إليها علماء الكابالا في إكتشاف ومعرفة العالم الروحي دُونت في أسلوبٍ ولغةٍ وثيقة الصلة بالموضوع ومناسبة للجيل التي عاشت فيه تلك النفس.

إستمر علم الكابالا في الإنتشار بعد المدونات التي كتبها سيدنا موسى عليه السلام. وفي المرحلة الزمانية من سنة   ٥٨٦ إلى سنة ٥١٥ في حقبة ما قبل الميلاد كان تعليم الكابالا مُنتشر إذا كان يُدرّس ضمن مجموعات صغيرة ومُتعددة من طالبي العِلمْ. ولكن بعد سنة السبعين ما بعد الميلاد إلى جيلنا هذا هناك ثلاثة مراحل خاصة تُعتبر مُهمة جدًا في تاريخ تقدم وتطور علم الكابالا والتي صدرت فيها أهم الكتابات الأساسية في دراسة نظرية وأسلوب علم الكابالا

ظهرت المرحلة الأولى في القرن الثاني عندما كتب عالم الكابالا شيمون بن يوخاي والملقب "الراشبي" كتاب الزوهار. وكان هذا حوالي عام المائة والخمسون الميلادية. كان عالم الكابالا شيمون تلميذًا عند عالم الكابالا آكيفا والذي عاش من سنة ٤٠ إلى ١٣٥ الميلادية في عصر الإمبراطورية الرومانية حيت ألقى الرومان القبض على عالم الكابالا آكيفا وعدد وفير من تلاميذه وقتلوهم إذ أنهم شعروا بأن تعليم الكابالا للعامة أمرًا يُهدد من سلامة حكومتهم وقوة سيطرتهم على الشعب. فقد لجأ الرومان إلى سلخ جلد عالم الكابالا آكيفا عن جسده بواسطة مكشطة من الحديد كالمكشطة التي تُستخدم في تمشيط شعر الخيل كعقاب له على تعليم ونشر علم الكابالا. بعد وفاة أربع وعشرين ألف من تلاميذ عالم الكابالا آكيفا أُعطِيتْ السُلطة لعالم الكابالا الراشبي من قِبَل عالم الكابالا ومعلمه آكيفا وعالم الكابالا يهوذا بن بابا تاركين في عهدته مسؤلية تعليم الأجيال القادمة بنفس الأسلوب والمنهج الذي تلقن به العلم هو نفسه من مُعلميه وأيضًا مسؤلية ضرورة المحافظة على نقاوة وطهارة التعليم. فإن شيمون بن يوخاي "الراشبي" وأربعًا من تلاميذ آكيفا الآخرين هم الوحيدين اللذين نجو بحياتهم من يد الرومان. فبعد أن تمّ القبض على عالم الكابالا آكيفا وإلقائه في السجن نجا الراشبي مع إبنه وتواروا عن الأنظار مُختبئين في كهف لمدة ثلاثة عشر سنة

وبعد ثلاثة عشر سنة ظهروا وفي حوزتهم كتاب الزوهار مع نظرية واضحة في دراسة علم حكمة الكابالا وإحراز العالم الروحي ومعرفة الأمورالروحية. لقد وصل الراشبي إلى أعلى درجات العالم الروحي والتي من الممكن للإنسان الوصول إليها متخطيًا كافة درجات السلم المئة والخمس والعشرين درجة بحسب ترتيب العوالم الروحية كما وضعها الخالق والتي بإمكان الإنسان إحرزها أثناء أيام حياته في هذا العالم. يُعلِمُونا كتاب الزوهار أن عالم الكابالا الراشبي وإبنه عالم الكابالا إليعازر وصلوا إلى درحة رفيعة المستوى في العالم الروحي وتدعى درجة "إيليا النبي" أي أن النبي إيليا نفسه كان يلقن العلم بكل تفاصيله لكليهما.

لقد كُتب كتاب الزوهار في صيغة رمزية وهي صيغة فريدة من نوعها وقُدم باللغة الآرامية وهي اللغة التي كانت سائدة في ذاك العصر. يخبرنا كتاب الزوهار بأنّ اللغة الآرامية هي "الوجه المعاكس للغة العبرية" أو إذا صح التعبير  الجهة الخفية للغة العبرية.

لم يكتب عالم الكابالا شيمون بن يوخاي كتاب الزوهار بنفسه ولكنه شرح لنا الحكمة وطريقة إحرازها بنظام وأسلوب مُنتظم وثابت وأملا هذه الحكمة بقواعدها وقوانينها وأساسها على عالم الكابالا آبا. آبا هو الذي كتب مدونًا جميع المعلومات التي تلقاها من عالم الكابالا شيمون بن يوخاي في أسلوب مُنقح وخفي والذين يبحثون عن الحكمة بالفعل وبكل قلبهم هم الوحيدين الذين يستحقون فَهم مُحتويات كتاب الزوهار.  

يُفسر كتاب الزوهار شارحًا أن مراحل تطور الإنسانية مقسمة على مدار ست آلآف سنة من خلالها تمر النفس البشرية بمراحل عديدة من النمو والتطور في كل جيل. في النهاية تصل هذه النفوس إلى مرحلة يُقال لها "نهاية مرحلة التصحيح" وهي المرحلة الأعلى في الكمال والروحية والتي يمكن للنفس البشرية الوصول إليها.

كان عالم الكابالا شيمون بن يوخاي من أعظم علماء الكابالا في عصره وجيله الذي عاش فيه, فقد كتب مقالات كثيرة كان فيها يشرح مفسرًا أعمال علماء الكابالا اللذين أتوا قبله وكان قد نشرجميع هذه الشروحات بكاملها وكلها اليوم معروفة ومحفوظة لدينا إلى يومنا هذا. وأما بالنسبة إلى الأمر المتعلق بكتاب الزوهار, فقد إختفى هذا الكتاب عن متناول العامة بعد تأليفه إذ كانت تُلقى محاضرات ودراسات نصوصه وكتاباته في الخفية من قبل مجموعة صغيرة من علماء الكابالا. وكان عالم الكابالا موسى بن ليون هو الذي نشر أول نسخة من كتاب الزوهار في القرن الثالث عشر في أسبانيا

إما الحقبة الثانية من نشأت وإنتشار علم الكابالا كانت ذات أهمية خاصة بالنسبة للعلم نفسه وبالنسبة لجيلنا نحن, هذه الحقبة هي حقبة تاريخ "الآري". عالم الكابالا الشهير إسحاق لوريا "الآري" هو الذي وضع وشرح أسلوب التحويل بين النظريتين اللتين كانتا تُتبعا في دراسة علم حكمة الكابالا فقد ظهرت لغة الكابالا النقية ذات الأسلوب الرفيع والمُتقن في كتابات الآري, فهو الذي أعلن وأظهر بداية حقبة تاريخية جديدة حين فتح المجال أمام العامة من الناس لدراسة علم الكابالا والذي كان محصورًا قبلا ً على البعض من المجموعات القليلة جدًا من هؤلاء اللذين يستطيعون الدراسة والبحث في هذا العلم الواسع والعميق

لقد ولد عالم الكابالا إسحاق لوريا في مدينة أورشليم في عام ١٥٣٤, توفي والده وكان ما زال طفلاً صغيرًا فأخذته أمه إلى مصر حيث ترعرع وشبّ تحت رعاية عمه هناك. كان مكسبُ رزقه في مصر من عمله في التجارة ولكنّه كرّس معظم وقته في دراسة علم الكابالا, فكما أُخبِر وقيل عنه بأنه قد قضى سبع سنين من حياته في عزلة على جزيرة الروضة التي تقع على نهر النيل حيث كان يدرس كتاب الزوهار وكتابات علماء الكابالا الأولين وكتابات عالم الكابالا موسى كوردافرو الملقب "بالراماك" والذي كان من علماء الكابالا اللامعين في جيله وفي عصره

في سنة ١٥٧٠ عاد الآري إلى مدينة صفد في إسرائيل. بالرغم من صغر سنّه وهو بعدُ في ريعان شبابه كان يُدّرس ويلقن علم الكابالا. وفي مدة قصيرة أدرك الناس اللذين كانوا يتلقون العلم على يده مُستوى عبقريته وحكمته وحدة ذكائه وقدرته على الإلمام بكافة مواضيع وشروحات علم الكابالا فدعي بلقب الرجل الحكيم من صفد إذ كان ذو معرفة واسعة وعميقة في علوم الحكمة الخفيّة والتي أخذت تظهر معرفتها أمام العامة, فأخذ الناس يأتون إليه طالبين العلم والمعرفة وهكذا ذاعت شهرته في العالم. وعلى مدار العام ونصف العام كان تلميذه خاييم فيتال يدّون جميع الأسئلة التي كانت تُطرح على الآري وكان يُدّون أجوبتها كما أجاب عليها الآري حرفيا

فد ترك لنا عالم الكابالا الآري النظام الأساسي في البحث والدراسة في علم الكابالا والذي ما زلنا نستخدمه نحن الآن في يومنا هذا. فمن يعض كتاباته ومدوناته الشهيرة التي تركها لنا كتاب "شجرة الحياة" - وكتاب "مداخل النوايا" -  و "مراحل دورة النفس" والكثير أيضًا من النصوص والكتابات الأخرى. قد رحل عالم الكابالا الشهير الآري في سنة    ١٥٧٢ وكان ما يزال في أوجّ شبابه عن عمر يُناهز الثامنة والثلاثين سنة. قد سُجلت جميع مؤلفاته ومدوناته حسب رغبته وطلبه في المحافظة عليها وعدم إظهارها للعامة قبل حلول الوقت المناسب لنشرها

لقد قدّم عظماء علم الكابالا نظرية خاصة للدراسة والبحث وقاموا على تعليمها بكافة تفاصيلها وبراعة إتقان أسلوبها ولكنهم علموا بأن أجيالهم لم تكن على مستوى الوعي الكافي والناضج لتقدير قيمة هذه المعرفة الثمينة وفهم مدى فعاليتها وقوتها ولهذا السبب كانوا يلجؤن إلى إخفائها عن العامة وأحيانًا كثيرة إلى إتلاف الكثير من المدونات والنصوص أيضًا, فإننا نعلم أنّ عالم الكابالا يهودا أشلاغ الملقب بصاحب السلم أحرق وأتلف القسم الكبير من مؤلفاته إذ أنّ هناك سرًا هامًا يكمُنُ في واقعية أنّ المعرفة دُونت على الورق ومن ثم أتلفت والسبب هو أنه كلما أُظهرَ من الحكمة لهذا العالم المادي له تأثير قاس ٍ وبالغ عليه وعلى مُستقبله وأنه في حال إظهار هذه الحكمة ثانيةً في زمان آخرعمل يُخفف من حدة وبلاغة تأثيرها السلبي على عالمنا هذا. فإنّ عالم الكابالا خاييم قيتال أمر بإخفاء ودفن جزء كبير من مُدونات وكتابات الآري, فقد أوثق جزء منها في يد إبنه والذي أعاد ترتيب هذه المدونات المشهورة تحت عنوان "البوابات الثمانية" وبعدها بفترة طويلة نقب حفيد خاييم فيتال بصحبة مجموعة من تلاميذه جزء آخر من كتابات ومدونات الآري التي كانت مدفونة سابقًا. 

شاعت دراسة كتاب الزوهار ضمن المجموعات الصغيرة بشكل مفتوح في أيام عالم الكابالا الآري وإزدهرت وإنتشرت المعرفة لمدة مئتي عام من رحيله. الحقبة التاريخية العظيمة لدراسة منشورات الزوهار كانت من عام  ١٧٥٠ وحتى نهاية القرن التاسع عشر حيث وُجدَ الكثير من الباحثين والمعلمين لعلم الكابالا في العالم وخاصة في بولندا وروسيا والمغرب والعراق واليمن والعديد من البلدان في العالم, ولكن بعد ذلك وفي بداية القرن العشرين بدأ إهتمام الناس يتضاءل للمعرفة حتى تلاشى هذا الإهتمام تماما

أما المرحلة الثالثة لنموعلم الكابالا كانت قد إحتوت على نظرية إضافية على نظرية وأسلوب تعاليم الآري إذ كانت قد كُتبت في عصرنا نحن من قبل عالم الكابالا يهودا اشلاغ والذي ألف كتاب الشرح السُلميّ لكتاب الزوهار ولتعاليم الآري, فالنظرية التي وضعها كانت بأجزائها وتفاصيلها الدقيقة المناسبة والمتماشية مع النفوس المتواجدة في جيلنا نحن. ولد عالم الكابالا يهودا أشلاغ والمعروف بلقب صاحب السلم نسبة لتأليفه كتاب "الشرح السُلمي لكتاب الزوهار" في مدينة لوتز في بولندا, وتلقى معرفة القانون منذ شبابه وتخرج من كلية الحقوق وأبدع في مهنته في ممارسة المحاماة ومن ثم تابع طريقه في الدراسة والعمل إلى أن أصبح قاضيًا في مدينة وارسو. في عام ١٩٢١ هاجر من وارسو إلى إسرائيل مع عائلته وبالرغم من عمله في مجال القانون كان يَدرس باحثًا في علم الكابالا وكتابات عالم الكابالا الآري وكان منكبًا على كتابة مبادئ وتفسيرات مواضيع الكابالا قبل أن بدأ في كتابة شروحات كتاب الزوهار في عام ١٩٤٣. بعد سنة واحدة من إنتهائه من الكتابة لشروحات كتاب الزوهارفي عام ١٩٥٣ توفي صاحب السلم ودفن في مدينة أورشليم

أتى بعده عالم الكابالا باروخ شالوم أشلاغ والملقب "بالراباش" وهو الإبن البكر لصاحب السلم. كتب الراباش جميع مقالاته وكتبه توافقا ً مع تعليمات وتوجيهات صاحب السلم وذلك لهدف المحافظة على أصالة المعلومات مستخدمًا أسلوبًا راقيًّا وتفصيليًا باذلا ًغاية الجهد في الشرح والتوسيع المفصل لكتابات صاحب السلم مُقدمًا أسلوبًا بارعًا من ناحية سلاسة الأسلوب لمساعدة القارئ على فهم المقالات وشروحات كافة المواضيع التي كتبها صاحب السلم محافظًا على نقاوة اللغة وطهارة المعاني في النصوص التي كُتِبتْ بالتحديد بلغةٍ وأسلوبٍ متناسب مع مستوى الوعي الموجود في جيلنا نحن لفهم العالم الروحي وإحرازه

لقد ولد الراباش في مدينة وارسو في عام ١٩٠٧, بعدما تزوج قبله والده وضمّه إلى المجموعة التي كانت تتألف من عدد قليل من الطلبة المنتخبين بعناية لدراسة علم حكمة الكابالا ومن ثم سُمح له بتدريس الطلاب الجدد اللذين كانوا يرغبون في تعَلّم الكابالا. بعد وفاة أبيه أخذ على عاتقه تعليم علم الكابالا على نمط الأسلوب نفسه والطريقة التي تلقنها هو نفسه, وكوالده من قبله فعلى الرغم من إنجازاته العظيمة وتعليمه ومكانته في المجتمع إذ كان قد عُرض عليه مناصب مختلفة في المجتمع إلاّ انه أصرعلى عدم السعي وراء شهوات العالم الفارغة وعلى العيش حياة بسيطة ومتواضعة . ففي حياته عمل في مهنة البناء وككاتب أيضًا, ففي الظاهر قد عاش الراباش كأي إنسان عادي ولكنه خصّص وكرّس حياته لدراسة وتعليم علم حكمة الكابالا. توفيّ الراباش في عام ١٩٩١

كان عالم الكابالا يهودا أشلاغ "صاحب السلم" معروفًا بجدارته وبقدرته والتي جعلته يرتقي المركز الأول في تعليم الأمور الروحية وكمعلم أول في جيلنا نحن إذ كان الإنسان الوحيد الذي مُنح القدرة والفهم والحكمة في هذا الجيل لكتابة شروحات كتاب الزوهار في أسلوب واضح وجليّ جامعاً كافة المعلومات التي إحتوتها المجلدات والمقالات وكتابات الآري. فهذه الكتب بالإضافة إلى مقالات عالم الكابالا باروخ شالوم أشلاغ "الراباش" هي المصدر الوحيد الذي يمكننا إستخدامه والإعتماد عليه في إقتناء المعرفة الحقة. فإن دراسة هذه الكتب والمقالات هي في أهميتها ومضمونها معادلة لدراسة كتاب الزوهار وكتابات الآري في أسلوب مبسط وواضح لمستوانا الفكري ولطبيعة إدراكنا في عصر التقدم والتكنولوجيا المتطورة الذي نعيش فيه, فقد كُتبت هذه الشروحات (في غضون الخمسون سنة الماضية). فهي تُعد حجر الأساس في معرفة علم الكابالا لجيلنا إذ أنها تقدم لنا الفرصة فاتحةً المجال أمامنا لدراسة مقالات قديمة كُتبت منذ ألفي سنة مضت بأسلوب نتمكن من فهمها وكأنها كتبت بلغة عصرنا وإستخدام هذه المعلومات كنقطة إنطلاق في البحث ومعرفة العالم الروحي

إن أسلوب وطريقة صاحب السلم في الشرح والدراسة ملائمة لكل إنسان وإن ترتيب الدرجات والمستويات لهدف إحراز العالم الروحي الذي وضعه لنا وشرحه في كتاباته يؤكد وبوضوح أنه بإستطاعة كل منا دراسة علم الكابالا بلا إستثنا ومن دون أي قلق أو خوف, فإن كل الإنسان يدرس علم الكابالا فإنه في غضون ثلاث إلى خمس سنوات يكون بإمكانه إحرز العالم الروحي والإرتقاء بفهمه إلى مستوى إدراك الواقع الشامل بأكمله. فبإستخدامنا لكتب صاحب السلم في دراستنا نستطيع أن نصل إلى كيفية معرفة تصحيح "الأنا" لدينا في كافة مراحل تطورها وبشكل كامل. فإن أسلوب وطريقة صاحب السلم مبنيّة على أساس يتم من خلاله إيقاظ قدرة الإدراك لدى الإنسان ورغبته في فهم العالم الأعلى, فقد منحنا الخالق رغبة عظيمة لمعرفة جذور النفس البشرية والعودة لها لمعرفة هدف حياتنا في هذا العالم وإيجاد الإكتفاء والسعادة الحقيقية

كان ظهور كل من علماء الكابالا الثلاث عالم الكابالا شيمون بن يوخاي "الراشبي" وعالم الكابالا إسحق لوريا "الآري" وعالم الكابالا يهودا أشلاغ "صاحب السلم" في أجيالهم في الوقت المناسب للبشرية. فبظهور كل منهم في الجيل المعين إنما يشير إلى إستحقاقية ظهور هذه المعرفة والحكمة لأبناء هذا الجيل لذلك أرسلت هذه النفس لتعليم النظرية المناسبة للتصحيح الجيل التي عاشت فيه. فالأجيال تتوالى الواحد تلو الآخر وكل منها على درجة إستحقاق أكثر من الجيل الذي سبقه لإكتشاف المعرفة التي يحتوي عليها كتاب الزوهار, فإن كتابات عالم الكابالا شيمون بن يوخاي قد إختفت لفترة من الزمن إلى مجيء عالم الكابالا موسى بن ليون ومن بعده عالم الكابالا الآري والذين أخذوا في تفسير لغة الكابالا التي أستُخدمت آنذاك في الكتابة إلى أسلوب ٍ ولغةٍ أكثر سلاسة وبوضوح كافٍ  وهذه الكتابات حُفطت أيضًا بعيدًا عن متناول العامة وأعيد ظهور جزء منها مرة أخرى عندما كان الوقت مناسبًا لقبولها وتعليمها للعامة في الجيل التي ظهرت فيه. لقد مُنِحَ جيلنا نحن الفرصة المثالية بإعطاءنا كافة الوسائل في توفيرالفرصة لدراسة علم حكمة الكابالا من خلال النظرية والأسلوب الذي وضعه صاحب السلم للدراسة والبحث والذي بدوره يفتح المجال أمام أي إنسان يرغب في أن يتعلم الكابالا ويقوم بتصحيح نفسه

نحن نرى أن كتاب الزوهار يتكلم لغة كل جيل ظهرت له هذه المعرفة. ففي كل جيل نجد أن إظهار الوحي كان على مستوى درجة معينة وواضحة وسهلة المنال والفهم مقارنة بمستوى إظهار المعرفة للجيل الذي سبقه, فكل جيل يفتح كتاب الزوهار وينشر معرفته على العامة بطريقةٍ فريدةٍ من نوعها ومُتناسبة مع درجة الوعي السائد ومع مستوى جذور النفس البشرية لذلك الجيل. ولكن وعلى نفس مستوى الأهمية جرت المُحاولة في إخفاء كتابات ومقالات ومدونات علم الكابالا لغرض فتح المجال أمام هؤلاء ممِن وُجدت لديهم الرغبة في تعلُم الحكمة بالبحث عن هذه الكتابات وإكتشافها بأنفسهم. من الجليّ أن علماء الكابالا يعلموا بأن مراحل التغيير تتطلب شرطين أساسيين وهما: الزمان المناسب, ومدى نضوج النفس وقدرة إدراكها, والآن في زماننا هذا نحن نشهد أهم أحداث الإنسانية متمثلة في وعي وتقدم ملحوظ مُشيرًا إلى عصر جديد في مجال دراسة علم حكمة الكابالا

 

 

عالم خفي

iszelenie prirodoy_683241531

على مدار الأجيال طوّرت الإنسانيّة العلوم المختلفة والمتنوعة من علوم الفيزياء والكيمياء إلى كافة علوم الحياة بكل مجالاتها لغرض بحثها و لمعرفتها و لمعرفة العالم الذي يحيط بها. وهذه العلوم تُسمّى العلوم الطبيعيّة. وقد نمت مبنية على أساس وفي حدود إطار الحواس الخمس للإنسان. لقد إخترع الإنسان أدوات ووسائل تُمكّنه من توسيع مدى حواسّه. وهكذا ومن جيلِِ إلى جيل كدّس الإنسان التجارب وتمكّن من معرفة هذا العالم والعيش فيه. ومن ضمن العلوم بأجمعها, علم الكابالا هو العلم الوحيد الذي يُطوّر ويُنمي الإنسان بصورة مُختلفة جدا.

في بحثنا فيما وراء عالمنا المادّي الذي نعيش فيه توصّلنا إلى الإدراك بوجود عالم آخر, خفيّ، فنحن نشعر بوجوده، عن طريق الحدس بالرغم من إنّنا لا نراه. ولكن, لماذا نفترض وجود عالم خفيّ بالرغم من إنّنا لا نشعر به بحواسّنا؟ لأنّنا ندرك وجود قوانين خاصة هي جزء من وجود عالم أكبر وأكثر إتّساعاََ، كما نفهم أنّّه يجب أن تكون هناك قوانين عامّّة أكثر منطقيّةََ تُعلٍّل وتُوضّح وجودنا في هذا العالم بصورة شاملة وتُلإئم واقعنا.

هل صحيح أن هناك ظواهر في هذا الوجود، لا ندركها ولا نعرفها؟ نعم !  نحن نعيش في عالم, يحدث كل شيء فيه بالصدفة وبصورة عرضيّة لا تُمكّننا من التكهّن به. فإنّنا لا نعرف ماذا سيحدث غداًً،  ولا نعرف من أين أتينا وماذا يحدث بعد موتنا. كما لا نستطيع ان ندرك نتائج  أعمالنا بالنسبة لمحيطنا، ولكن في الحقيقة نحن نؤثر على العالم الذي يحيط بنا بشكل مباشر.

فكيف إذا ً يمكن أن نشعر بالعالم اللا مرئي أو الوجود بكامله ونحن نفتقد الحواس الملائمة له ؟ هل بإمكاننا إكتساب هذه الحواس ؟

الوجود بكامله المرئي أو اللا مرئي على كافة طبقاته ومستوياته ينقسم الى جزئين : الجزء أو المستوى الأول هو الجزء الذي هو ضمن إطار حواسنا أي ما نراه وما نسمعه وما نستطيع جسّه والذي يدعى " عالمنا " أو " هذا العالم "، والجزء أو المستوى الثاني هو الجزء غير المحسوس أو ما فوق طاقة الإدراك الحسي لدينا. ولكن إذا كانت لدينا حاسة إضافية هل يمكننا أن نشعر بالعالم بصورة كاملة ؟ نعم ,لإنه بسبب فقداننا القدرة على إحساس وإدراك العالم كله, أي الوجود بكامله إنّنا نعاني من العذاب والمعاناة في هذه الحياة وذلك لأننا لا ندرك كيفة التعامل الصحيح مع بعضنا البعض ومع الطبيعة الّتي تُحيط بنا.

عندما نجري بحثا ً علميا ً حول عالمنا هذا فإنّنا نصل الى مرحلة لا نستطيع فيها أن نتقدم ولو خطوة واحدة وكأننا نواجه طريقا ً مسدوداًً . ففي الواقع ، هنالك الكثير من المناهج الّتي تُحسّن وبصورة جزئيّة قدرتنا على التكهّن والتخمين وتَجاوُز حدود حواسّنا . ولكن ، في الحقيقة ، هذه المناهج لا تُفيدنا لأنّنا نبقى دائماًً في نطاق التكهّن الغامض ولا نستطيع الوصول الى العلم اليقين والمعرفة التامة.

الإنسان هو مخلوق متطوّر ومتقدّم ، وبالرغم من تطوّره وتقدّمه فهو يشعر وكأنّه لا حول ولا قُوّة له ,فهو تائه في هذا العالم, يبحت عن معنى وأصل وجوده , يرغب في إيجاد أجوبة عن خالقه وعن هدف حياته هنا , وعن سبب كل هذه المعاناة التي يواجهها في حياته. وبالرغم من التطور العلمي الذي أحرزه العالم اليوم فإنه من الواضح إنّنا لم نصل إلى النتائج المطلوبة والتي نبحث عنها من خلال هذا التطوّر والبحث في هذا العالم . لذلك يجب علينا أن نعترف بالأمر الواقع ونبدأ بالبحث عن مستوى و طريقة مختلفتين تماما . فالتطور العلمي يساعدنا في معرفة عالمنا هذا وتطوير أسلوب حياتنا فقط ولكن إذا أردنا معرفة معنى وهدف حياتنا فلا بدّ من ان نتبع منهجا ً آخر .علم الكابالا هو العلم الوحيد الذي يبحث في الوجود ككل شارحا ّ وبالتفصيل العلمي الدقيق معنى الحياة.

من خلال علم الكابالا يستطيع الإنسان إكتساب وتطوير حاسة إضافيّة جديدة وتدعى بالحاسة السادسة . كالهوائي لإلتقاط الموجات الأثيرية هكذا الحاسة السادسة للإنسان , فهي تًساعده على الشعور بالعالم الروحي أي العالم الخفي . فالحواس الخمس نولد بها ، أمّا الحاسة السادسة يجب علينا تنميتها بأنفسنا.

تطوّرت الإنسانيّة على مر العصور وتتابع الأجيال ، وكذلك إراداتها كانت تتغيّر تبعا ً لتطوير نوعية الحياة وإحتياجات ومتطلبات العصر. أما بالنسبة لتطور الإنسان كفرد من المجتمع فيكون على مراحل متجسدة برغبات مختلفة.

الرغبة الأُولى وهي محصورة في إشباع الإهتمامات والحاجات الجسدية لدى الشخص أي حاجات الجسد البهيمية من الطعام والجنس والإنتماء إلى أسرة . وبعدها ظهرت رغبة أخرى وتركز إهتمام هذه الرغبة على السعي نحو المال وتحصيل المعرفة والمناصب الرفيعة والسمعة الحسنة ، أما الآن فرغبة الإنسان أخذت تتركز حول الأمور الروحية لإيجاد هدف حياته في هذا العالم.

هذه الرغبة للعالم الروحي تدعى " النقطة في القلب " . ومن هذه النقطة يبدأ الإنسان في البحث عن جواب مقنع عن معنى الحياة , لماذا خُلق ؟ من أين أتَى ؟ وما هو هدفه في هذه الحياة ؟ من هو الخالق ؟ وما هي صلة الوصل بينه وبين خالقه ؟ لتوفير الأجوبة لكل هذه التساؤلات وإشباع هذه الرغبة يتيسر فقط عن طريق البحث في علم حكمة الكابالا. في اطار الحياة يأتي الإنسان إلى مرحلة أو موقف معين يعي وجود النقطة في قلبه وهنا عندما يبدأ الشخص بالشعور برغبة تجاه العالم الروحي والقوة العليا . ولكن إذا كان الشخص لا يُظهر أي إهتمام بالعالم الروحي فهو إذا ً غير مستعد له, ويكون من الإكراه المحاولة لإيقاظ هذه الرغبة فرضا.

إن الرغبة التي خلقها الخالق لتبتهج وتُسر به " بنوره " تدعى النفس هذه الرغبة تبقى دائما ً في حالة صحيحة ومثالية وملتصقة وملتزمة بالخالق كما في وضعها الأول حين وُجدت . لتكون النفس قادرة على إحراز المكانة التي كانت عليها والتي من حقها وأيضا ً أن تُعادل وتوازن سماتها بسمات الخالق مستقلة عنه , لذلك فصلها الخالق عنه بإعطائها سمات معاكسة لسماته . لهذا السبب فقدت النفس القدرة على الشعور بوجود الخالق والأبدية والكمال , وأُلبست جسدا ً ماديا ً وأُعطيت إرادة للتمتع والحب للذات . من خلال هذه الإرادة تشعر النفس بما ندعوه : هذا العالم " . ولكن للعودة لمكانتها الأولية والأصلية والحقة والكاملة ولقدرتها على الشعور بالخالق , يجب على هذه النفس أن تنمو في سماتها المشابهة لتلك التي للخالق وكأنّ هذه السمات تولد وتوجد فيها من جديد . النفس في حالها الأصلية والكاملة تتألف من ذات مقدار النور النابع من الخالق , فهي ممتلئة بهذا النور . وكلما إبتعدت هذه النفس عن الخالق كلما ضعُفت رغبتها . في أبعد مكان من تواجد النفس من الخالق تبقى هناك نقطة صغيرة من النور الذي كان فيها ( نقطة صغيرة في الحجم والقوة ).


الإنسان هو محور الخليقة وهدفها . خلق الخالق البشرية ورغب بأن يرفع البشر إلى أرقى وأسمى منزلة - إلى منزلة الخالق نفسه. مراحل " إحراز الخالق " تعني التعرف على سمات الخالق والتي تستخدم كوسائل للاصلاح وأيضا ًمعرفة الهدف الأساسي للخليقة لأنه وبخلاف نمط الطرق العلمية إن إحراز الخالق هو مكافأة ورضا معطاة لنا من جلالة عظمته .

وفقا لتعليم حكمة الكابالا فان الإنسان هو الخليقة بكاملها ( الإنسان الأول - آدم ) . بعدما خُلق آدم تحطمت نفسه وتبعثرت إلى ستمئة آلف جزء . ينبغي على كل جزء من هذه الأجزاء أن يُصلح نفسه مُستقلا ً بتوازن هذا الجزء أو هذه النفس في سماتها مع الخالق . كل مخلوق منا يتوجب عليه بوعي وإدراك أن يخطو خطوات خلال مراحل الاصلاح هذه . فإن إصلاح كل جزء يسمح للنفس بأن تمتلئ بنور الخالق يعني أن هذه النفس تبدأ بالشعور بالخالق, هذا الشعور أن الخالق يملاء النفس هو شعور جديد , ومن خلال هذا الشعور نجد وندخل العوالم الروحية .

الهدف هو أن تمتلء النفس كلها بنورالخالق ولكن في الوقت الحاضر إن نفوسنا موجودة في مرحلة أو على درجة تدعى "هذا العالم" وهو المكان الذي لا تشعر فيه النفس بالخالق , فهو مُحتجب ومختفي عن أنظارنا. عندما تدرك وتحرز النفس التواصل مع الخالق لأول مرة, ترتقي هذه النفس إلى الدرجة الأولى في العالم الروحي. عندها تبدأ النفس بمراحل تغيير سماتها لتكون متشابهة بتلك للخالق أكثر فأكثر وبالتالي نشعر بنور الخالق أكثر فأكثر وبقوة وبشدة . عندما تصل جميع الأجزاء إلى مرحلة الاصلاح الكاملة معا ً يرتفعون ويرتقون إلى مكان أو مرحلة تُعرف بنهاية الاصلاح .

إذا ًحكمة الكابالا هي نظرية لإكتشاف وإحراز العالم الروحي , ننمو فيها ونتقدم على مستوى درجات روحية مُختلفة ودورات حياة مُتعاقبة وأوضاع روحية مُتجددة .

لقد كان سيدنا إبراهيم الخليل عليه السلام ، أوّل من عبر من الشعور الدنيوي المحدود إلى الشعور بالعالم الأعلى السماويّ أي العالم الروحي . وفي كل جيل من الأجيال يوجد هناك أفرادٌ يستطعون إحراز العالم الأعلى بمفردهم حتى قبل بلوغ الإنسانيّة بأجمعها ( كل النفوس البشرية ) إلى درجة الكمال .

مع أنّ علم حكمة الكابالا غالبا ً ما يميل أو يبدو وكأنه علم تقني أو علم غامض , لكن من المهم جدا ً أن نذكر بأن هذا العلم هو علم عملي . فالأشخاص اللذين تضلعوا وأبرعوا في هذا العلم وكتبوا عنه هم أشخاص مثلي ومثلك . كانوا يسعون لإيجاد حلول وأجوبة لمثل هذه الأسئلة والتي جميعنا نرغب أن نجد جوابا ً لها .

أسئلة كالتالية: " لماذا ولدنا في هذا العالم " ؟ " وماذا يحدث لنا بعد موتنا " ؟ " لماذا هناك معاناة وآلآم في هذه الحياة " ؟ " هل بإمكاني الشعور بالسعادة والمسرة الدائمتين والباقية, وإذا كان هذا الأمر صحيحٌ , فكيف يمكن تحقيقه " ؟

 

علماء الكابالا واللذين كتبوا المصادر والكتب والتي هي المصدر الأساسي لدراساتنا وأبحاثنا هم من الأوائل في إختصاصهم ويتمتعون بسمة اللطف إلى حد كبير جدا ً وفوق ما تتصوره . فقد جعلوا أمامهم هدفا ً واحدا ً وواضحا ً وهو بأن يُظهروا ويُبيّنوا للبشرية بأكملها كيفية الحصول على حياة أبدية مليئة بالسعادة المطلقة والشعور بالإكتفاء التام . وللحصول على هذا قاموا بدراسة الرغبة في تقبل الملذات والمسرات لدى الإنسان والتي هي موجودة في كيان كل شخص منا.

من أشهرعلماء الكابالا اللذين عاشوا في عصرنا هم أيضا ً اللذين شرحوا قواعد حكمة الكابالا في أسلوب واضح ومُبسّط . من فقهاء علم الكابالا الأوليين عالم الكابالا الشهير يهودا أشلاغ والمعروف بصاحب السلم ولُقبَ كذلك نسبة ً لكتابه الذي هو بعنوان " التفسير السُلمي لكتاب الزوهار " وقد خلّف لنا مجموعة واسعة من الكتب والمقالات والتي من أعظمها هو كتاب الزوهار والذي هو المرجع الأساسي في دراسة حكمة الكابالا , وإبنه عالم الكابالا الشهير باروخ أشلاغ والذي توسع في دراسات وكتابات صاحب السلم بوضح أكثر مما ساعد في فتح المجال امام كل من يرغب بدراسة حكمة الكابالا, ومن أشهر مؤلفاته كتاب " شامعتي ".

 

إقرأ المزيد...
 

التطوّر الصحيح

DSC07101_JPG

إنّ تطوّر البشريّة على أساس أناني ("من أجلي أنا") أدّى إلى تكوين فارق كبير بين المُستوى الأخلاقي للبشريّة وبين مُستواها العلمي. وهذا هو بالضبط الأمر الّذي خشاه أريسطاطل وأفلاطون عندما منعوا تدريس العلوم من كل من لم يكن ذو مُستوى أخلاقي عفيف هل هناك علاقة بين المُستوى الأخلاقي للإنسان (الرغبة) وبين قُدرته العلميّة؟ بالطبع ! لأنّه في حالة انعدام النيّة الصحيحة والأخلاق العالية لا يمكن ـ بواسطة البحث العلمي ـ إدراك القوانين الطبيعيّة أو القوانين الإجتماعيّة بصورتها الحقيقيّة ، بل بصورتها الضيّقة ومن وجهة نظر مُعيّنة وبالتالي ننظر إلى فعاليتها في عالمنا الضيّق من خلال زاوية حادّة ، وذلك لأنّنا نبحث برغبة أنانيّة ومن ثمّ فإنّنا نستوعب جزءًً ضئيلاًً من مجموعة التفاصيل الدقيقة والمهمة والفعالة في بنية محيطنا.

كلّ قانون يكون ساري المفعول في جميع مجالات الحياة، سواءٌ في هذا العالم أو في العالم الروحيّ. ولكنّنا نستطيع أن نراه ونشعر به وبمدى فعاليته إذا كنا في حالة توازن مع هذا القانون . وهذا يعني أنّه يجب علينا أن نكون ذو ميّزات تُلائم ميّزات قانون الوجود، أي : ميّزات الغيرية أي (حبّ الغير ) والعطاء ، فهذه هي صفات العالم الروحي.

هل ميّزات الإنسان تُسبّب في تغيير قوانين الطبيعة وميّزاتها؟ كلاّ ! إن قوانين الطبيعة لا تتغيّر أبداًً، وكذلك لا يحدث أيّ تغيير في التفاعل والتأثير المُتبادل بين قُوّات الطبيعة المُختلفة، إنّما الطبيعة تتجلّى بعدّّّّّّة صُور وأشكال، وفقاًً لميّزات الباحث الّذي يدرسها . الطبيعة تّرى للباحث من وُجهة نظر مُختلفة وليس كقانون آخر. يتفهّم الإنسان ما يستوعبه ويشعر به بواسطة حواسّه الخمس فقط ، وهذا يعني أن شعور الإنسان هي شخصيّة وخاصيتّة التي يرى العالم بواسطتها يجب علينا أن نتغيّر. فالطبيعة لا تتغيّر كما قُلنا، وبنتيجة تغيّر الإنسان لنفسه تتغير نظرته إلى الكون ويستطيع معرفة قوانين للطبيعة على حقيقتها . ومن المُدهش ، إنّ الإنسان يعتقد بـأنّه يُغيّر الأشياء الّتي تحيط به، ولكن بالفعل لا يتغيّر شيئاًً سواه! وهذا التحوّل الّذي يتجاوزه يجعله يشعر وكأن الطبيعة نفسها قد تغيّرت.

ما هي الطبيعة ؟ وما هي قوانين الكيمياء والفيزياء وقانون القوّة الجاذبيّة وغيرها ؟ هل تتغيّر هذه القوانين وفقاًً لسمات الإنسان ؟ كلاّ! إنّ ما يتغيّر هو الفكر الذي يدرك به الإنسان قوانين الطبيعة. الإنسان يشعر بتغيير في إحساساته فيتوهّم بأن التغيير يحدث في مُحيطه . والسبب في ذلك هو إعتقاده بأنّه مركز الخليقة الّذي لا يتغيّر . والإنسان ، عندما يُغيّر ميّزاته، عندها يجد توازن بينه وبين الطبيعة من حوله، ويشعر بهذا بصورة واضحة وجليّة . والتطوّرات الوحيدة الّتي تحصل في الخليقة هي تطوّرات التغيّر الداخلي في ميّزات وسمات الإنسان، ونتيجة هذه التطوّرات هي شعور الإنسان وكأنّ الإرادة العُليا قد تغيّرت نحوه. ولذلك ، يجب علينا أن نعرف كيف نُغيّر ميّزاتنا الداخليّة، لكي نستطيع أن نُغيّر قوانين الطبيعة لصالحنا. وعندما نعرف كيف نفعل هذا، ستكون النتيجة جيّدة بالتأكيد وسيكون مُستقبلنا أحسن من ماضينا ومع تطوّر العلم، إكتشف العلماء بـأنّ الإنسان قادر على التأثير على ظواهر الطبيعة . ويُقال أنّ نتائج الإختبارات العلمية متعلقة بالميّزات الشخصيّة للباحث. فما عسى أن يكون مغرى هذا الأمر؟ يقولون أنّ نتائج الإختبارات العلميّة " الدقيقة " تتأثّر بشخصيّة الإنسان الّذي ينجزها. وبطبيعة الأمر، توجد إختبارات أُخرى أكثر صعوبة ًًً ونتائجها لا تتعلّق بالباحث على الإطلاق. أي أنه إذا كان الباحث صدّيق أو شرير - ستكون النتيجة واحدة . ولكن ، الطبيعة تحتوي على ظواهر أكثر نعومة ودقّة من المادّة ، ونتائج البحث فيها تتعلّق بالميّزات الشخصيّة للباحث وسوف نكتشف في القريب العاجل بأنّ تزويد العلماء بالأدوات ـ وحتّى لو كانت هذه الأدوات في غاية الإتقان والدقّة ـ أمر غير كاف ، بل هناك حاجة ماسّة لعُلماء متمرّنين بوسعهم التأثير على الطبيعة بصورة صحيحة. إنّنا جميعاًً نُؤثّر على الطبيعة بمحض وجودنا فيها ، والسؤال هو : ما هو التأثير الصحيح الّّذي يجب أن نتركه. من المُحتمل أنّه في مرحلة التطوير القادمة، لن يحتاج العلم إلى أدوات ميكانيكيّة ، ألكترونيّة ، كهربائيّة، بصريّة أو أجهزة للتصغير والتكبير ، بل ستكون الآلة هي الإنسان نفسه ، الّذي يبحث هذا العالم ويعرف كيف يُؤثّّر عليه بصورة صحيحة ولكن ، كيف نعرف ما هو التأثير الصحيح ؟ وما هو العلم الّذي يبحث العلاقات بين تأثير الإنسان على الطبيعة وبين النتائج الّّتي يحصل عليها من الطبيعة نتيجة هذا التأثير ؟ إنّه علم حكمة الكابالا . عن طريق علم الكابالا يتعلّم الإنسان كيفة تأثير سلوكه في الوجود من حوله وتأثيره عليه, وكما هي الحال في العلوم الأُخرى تستعمل الكابالا مُصطلاحات مُعيّنة ودقيقة ، فإن لغة الكابالا لغة علميّة ففي أي بحث علمي، إنّ ما نريده من الطبيعة الّتي تحيط بنا هو الحصول على المعلومات الضروريّة لكياننا وعلى الأشياء الّتي نحتاج إليها ، وسيكون بوسعنا ، في القريب العاجل، أن نحصل على هذه المعلومات والأشياء بمجرّد إستخدام ميّزات الإنسان نفسه ، بدون الحاجة إلى كافّة الأجهزة والأدوات الّتي اخترعها بنفسه تعلّمنا حكمة الكابالا معنى الميّّّزات الّتي تتيح للإنسان البحث في الوجود بصورة صحيحة ، وتساعده على اكتساب هذه الميّزات الضروريّة الّتي تُسمّى "الميّزات الروحيّة " والّتي تُؤدّي إلى التأثير على العالم , كما وأنها تكشف للإنسان عن سر الأمور وتعلّمه كيف يتمكّن من التأثير الإيجابي على الخليقة والحصول على أحسن نتيجة ممكنة . وطريقة تأثير الإنسان على محيطه تُسمّى " بالرغبة " فالكابالا هي علم إدارة الوجود ، والعالم وخاصة في الوقت الراهن بحاجة ماسّة لها , فهي الطريقة الوحيدة للإنسان ليجد التوازن مع الطبيعة من حوله ولإرتباطه بالخالق.


بالإضافة إلى هذا, لم يبحث أحدُُ بعد وبشكل علميّ في إمكانيّات ضبط مصير الإنسان ما عدا علماء الكابالا ، والسبب في ذلك هو إنّ التأثير في إدارة الكون غير ممكن إلا ّ عن طريق حكمة الكابالا . فهذه الحكمة هي الوحيدة الّتي تكشف عن حقيقة هدف الخليقة وعن كيفيّة الوصول إلى هذا الهدف . فهذه المواضيع هي من خاصية بحوث علم الكابالا تعتني الكابالا في البحث والتفسير الدقيق لقوانين الطبيعة من خلال براهين علمية ثابتة ومثبتة وتوفر للإنسان الوسائل التي تساعده في تغيير نفسه عن طريق تبني سمات الخالق وبالتالي إيجاد التوازن مع الطبيعة ومحيطه من حوله الهدف هو بسيط وواضح - الوصول إلى حياة السعادة والطمئنينة أي الوصول إلى الحياة الكاملة والأبديّة ، وهذا ما يبحث عنه الجميع عالمنا هذا ، إنّما هو جزءُُ صغير من مجموعة أجزاء الخليقة . ومثلما يبحث العُلماء في ظواهر وقوانين هذا العالم المادّي الّذي يدركها الإنسان بحواسّه ، يُحاول عُلماء الكابالا البحث في العالم الروحي وفي قوانينه لأنه فيه الجذور لكل ما يحدث هنا في عالمنا هذا , فبجانب الخالق لا يوجد إلا ّ الخليقة أي الإنسان وعلم الكابالا هو الطريقة الوحيدة التي تشرح العالم الروحي والقوة العليا " الخالق " والإنسان من أين أتى وما هو مصيره وهدف وجوده.

للمزيد مواضيع للقراءة والبحث 

إقرأ المزيد...
 

جوهر علم الكابالا- المقدمة


  key cc
 

لماذا نحن هنا في هذا العالم؟ وماذا يُخبئ لنا المستقبل؟ وكيف يكون بإمكاننا أن نتجنب المعاناة في الحياة ونعيش بهدوءٍ وأمان؟ هذه أسئلةٌ يرغب جميعنا بالإجابة عليها. علم حكمة الكابالا يوفر لنا الأجوبة ليس فقط على هذه الأسئلة فحسب بل على المزيد منها... 

كما ويسمح لنا بطرح أي سؤال يجول في خاطرنا وكذلك إختبار الشعور الصادق والعميق بالإكتفاء الداخلي الناتج عن إيجاد ردود وتفسيرات عميقة وكاملة لما يبحث عنة الإنسان. لهذا السبب سُميت حكمة الكابالا "بالحكمة الخفية ". تُعلم حكمة الكابالا بأن جميعنا نرغب بمتعة العيش. يدعو علماء الكابالا هذه الرغبة "بالمشيئة أو بالإرادة لتقبل المُتعة والمسرّّة" أو ببساطة "الإرادة للتقبّل". هذه الرغبة تحثُّ كل أنواع سلوكنا وتصرفاتنا وأفكارنا ومشاعرنا, وعلم حكمة الكابالا يصور ويصف لنا كيف نُدرك ونحقق رغباتنا. مع أنّ علم حكمة الكابالا غالبا ً ما يميل أو يبدو وكأنه علم تقني أو علم غامض , لكن من المهم جدًا أن نذكر بأن هذا العلم هو علم عملي. فالأشخاص اللذين تضلعوا وأبرعوا في هذا العلم وكتبوا عنه هم أشخاص مثلي ومثلك. كانوا يسعون في إيجاد حلول وأجوبة لمثل هذه الأسئلة والتي جميعنا نرغب أن نجد جوابا ً لها. أسئلة كالتالية:  

"لماذا ولدنا في هذا العالم"؟ "وماذا يحدث لنا بعد موتنا"؟ "لماذا هناك معاناة وآلآم في هذه الحياة"؟ "هل بإمكاني الشعور بالسعادة والمسرّة الدائمة والباقية, وإذا كان هذا الأمر صحيحٌ , فكيف يمكن تحقيقه"

علماء الكابالا واللذين كتبوا هذه النصوص التي ستقرأها هنا, هم من الأوائل في إختصاصهم ويتمتعون بسمة اللطف إلى حد كبير جدًا  وفوق ما تتصوره. فقد جعلوا أمامهم هدفًا  واحدًا وواضحًا وهو بأن يُظهروا ويُبيّنوا للبشرية بأكملها كيفية الحصول على حياة أبدية مليئة بالسعادة المطلقة والشعور بالإكتفاء التام. وللحصول على هذا قاموا بدراسة الرغبة في تقبل الملذات والمسرّات لدى الإنسان والتي هي موجودة في كيان كل شخص منا.

أشهر وأعظم علماء الكابالا اللذين عاشوا في عصرنا هم أيضا ً اللذين شرحوا قواعد حكمة الكابالا في أسلوب واضح ومُبسّط. من فقهاء علم الكابالا الأوليين واللذين تبدو مقالاتهم في هذا الكتاب, عالم الكابالا الشهير يهودا أشلاغ والمعروف بصاحب السلم ولُقبَ كذلك نسبة ً لكتابه الذي هو بعنوان "التفسير السُلمي لكتاب الزوهر", وإبنه عالم الكابالا الشهير باروخ أشلاغ والذي توسّع في دراسات وكتابات صاحب السلم بوضح أكثر.

 نتمنى لكم السعادة والمتعة الكاملة في دراستكم لهذه الكتاب كما ونتمنى بأن تحقيقوا نموًا روحيًا سريعًا.  

مقدمة عامة

من أجل فهم علم الكابالا وكتاب الزوهار, يجب علينا أن نتعلم بنية الخليقة بأكملها, بنية كل العوالم, كيفية عمل القوانين الحاكمة لهذه العوالم, وكيفية تأثيرهم على نفوس البشر والعكس صحيح أيضًا في كيفية تأثير نفوس البشر على هذه العوالم, وكيف يُدير ويحكم الخالق الوجود بكامله وأيضًا كيفية تأثير الكائنات الحية على العناية الإلهية.  

الهدف من دراسة علم الكابالا هو إدراك ومعرفة العوالم الروحية أي "السماويات", وفهم هدف الكون والوجود على كل مستوى وبقياساته الكاملة, لإدراك الحس فوق نطاق قوة الموت والحياة, وتجاوز الزمن. والبلوغ إلى مرحلة يتمكن فيها الإنسان من العيش في كل العوالم أي عالمنا هذا والعالم الروحي معا في الوقت نفسه. والإندماج مع القوة العليا لمساعدتنا على فهم الخالق وسماته, وبالتالي إدراك هدف وجود الإنسان في هذا العالم, كما ويكون بإمكان الإنسان تحصيل كل هذه المعرفة في أثناء حياته هنا في هذا العالم.  

تُقدم دراسة حكمة الكابالا للإنسان أجوبةً على كل تساؤلاته. فيستطيع الشخص أن يدرس نظرية الحدث والعاقبة وصلتُها أو إرتباطها بعالمنا, ويدرس أيضا ً العالم الروحي الأعلى والذي هو مصدر كل شيئ في عالمنا هنا. إنّ تجلي العوالم الروحية العليا يحدث على شكل تدريجي وفي داخل نفس الإنسان. ينمّي الإنسان حاسة إضافية في داخله وهي بدورها أكثر حساسيّة من حواسه الخمسة الأخرى والتي بواسطتها يستطيع إدراك القوات الإضافية في الكون من حوله, أي الجزء الذي هو مُستتر عن عيون الإنسان العادي.

 يُطلق على حكمة الكابالا بالحكمة الخفية لأن هذا العلم يُصبح جليا فقط للإنسان الذي يفهم ويدرك الصورة الحقيقية للكون. بسبب الطريقة المختلفة عن المتعارف عليه في تعليم وتثقيف الإنسان,حكمة الكابالا كانت دائمًا وما زالت ذات مكانة بارزة ومُختلفة عن الأديان الشائعة.  

 فعلم الكابالا يُنمّي في الإنسان حسٌ لنقد وتحليل الأمور, يُنمّي فيه حدس واضح والقدرة على البحث الواعي بشأن نفسه والعالم المحيط به. خارج نطاق نوعية هذه الصفات المذكورة لا يستطيع الإنسان أن يبحث في معرفة هذا العالم والعالم الروحي الأعلى.فالثقافة التي يُقدمها علم الكابالا هي فردية بكليتها ومعارضة بشكل مطلق للتعليم الجماعي الشامل لطبقات المجتمع. فالإنسان الذي يدرس ويبحث في علم حكمة الكابالا يجب أن تتوفر له الحريّة في البحث في معرفة النفس, وأيضاُ الوسائل والإمكانيات التي تساعده على النمو المستمرّ . لا يتوجب أبدا ً أن يكون النمو الداخلي للإنسان محدودا ً بأية صورة على الإطلاق.

 فإذا أعطي الإنسان كل أنواع التعليمات والأوامر التي يتوجب عليه إتباعها , تُعدم حريته بسبب أنه فُرض عليه أسلوب ونموذج إنسان آخر مُخالفا ً لكيانه ونفسه. إننا نقترب من نهاية حقبة تطور البشرية وإلى بداية دخول الإنسانية بأكملها إلى العالم الروحي. فلم يشهد  التاريخ من قبل رؤية أعداد كبيرة ومتزايدة من الناس اللذين يُبدون إهتماما ً لدراسة الكابالا. واليوم تُعد دراسة علم حكمة الكابالا من الدراسات ذو الإعتبار والمقام المُحترم. وهذا كله يُشير إلى أن تغيير رائعٌ وشاملٌ قادم من فوق من عند الخالق.  

 ١- المقدمة  

 ٢- موضوع علم الكابالا    

 ٣- القانون العام والقانون الخاص

 المقدمة

 قبل أن أبدأ بشرح تاريخ حكمة الكابالا وجدت أنه من الضروري أن أبداء بتوضيح شامل وتام عن ماهية وجوهر الكابالا والتي أعتقد بأن الكثير يعرف القليل عنها. من الطبيعي أنه من المستحيل التكلم عن موضوع ما من دون معرفة الموضوع نفسه. بالرغم من أن المعرفة عن هذا الموضوع واسعة وعميقة كالمحيط , سأبذل أقصى جهدي مع كل القوة والمعرفة التي حصلت عليها وأحرزتها حتى يكون بوسع كل نفس أن تستنتج الحقائق النهائية الصحيحة على واقعها الحقيقي من دون ترك أي مجال للخطاء.

ما هو محور علم الكابالا؟

يدور هذا السؤال في خاطر أي شخص قويم الرأي. ولمناقشة هذا السؤال كما ينبغي, سأقدم لك عزيزي القارئ تعريف جدير بالثقة وثابت وهو كالآتي:  "طريقُ الكابالا هو لا أكثر ولا أقل مِن سِلسلةٍ مُتعاقبةٍ مِن الجذور المُتماسِكة والمتداليةِ إلى الأسفل بناءً على نَظريِّة الحَدثْ والعاقبة على شكل قوانين ثابتة ومحددة تتناسجُ كُلها متمازجة ً لتشكلُ هدفٌ واحدٌ وعظيمٌ نستطيعُ وَصفه بأنَّه وَحيُ وإظهار وَرَعُ وصلاح الخالق تعظم ذكره تجاه خَلِيقتهُ في هذا العالم".  

(من مقالات عالم الكابالا الشهير يهودا اشلاغ, "صاحب السلم")


كمضوع للدراسة , يعالج علم الكابالا موضوع الخليقة فقط , فالشيء الوحيد الموجود إلى جانب الخالق هو"نفس الإنسان" أو "الأنا" والتي هي موضوع البحث في علم الكابالا. يُجزء هذا العلم النفس أو الأنا إلى أجزاء شارحًا بُنية ومكونات كل جزء بمفرده وهدف وجوده. يشرح علم الكابالا كيف أن كل جزء من الأنا عند الإنسان والتي تُدعى "النفس" بإمكانها أن تتغير حتى يستطيع الشخص أن يُدرك ويُحقق هدف الخليقة, وهذا الهدف مرغوبٌ من قبل الطرفين - الخالق والمخلوق - هذا إذا كان الإنسان يُدرك هدفه الذي ولدَ من أجله.

 لا يوجد علم في العالم يستطيع وبشكل تصويري أو تحليلي ومن خلال إستخدام تراكيب مُختلفة أن يشرح أحاسيسنا ورغباتنا وكم هي مُختلفة ومتعددة الأنواع. وكم هي مُتقلبة - من غير الممكن التنبؤ بها - وكم هي مُتميزة بشكل مُطلق في كل فرد منا. وهذا بسبب أن رغباتنا تظهرُ في فكرنا وأحاسيسنا بشكل تدريجي وبطريقة محددة لسلسلة مُتعاقبة حتى يكون بإمكاننا معرفتها وبالتالي إصلاحها.

الخالق هو مصدر النور أي "البهجة والمسرات". هذا هو الإحساس المتعارف عليه من قبل هؤلاء الذين شعروا بوجود جلالة عظمته. أُناسٌ كهؤلاء واللذين يتقربون من الخالق ويشعرون به يُدعون بعلماء الكابالا. فكلمة كابالا مشتقة من كلمة (لي-كا-بل) أي يتقبل أو يتلقى نور الخالق. بإستطاعة الإنسان أن يتقرب إلى الخالق من خلال التوازن في نوعية الرغبات فقط . فالخالق روح أي أنه غير مادي أو محسوس ومن المستطاع أن نشعر به في قلوبنا. المقصود بكلمة "قلب" هنا ليس المضخة التي تُنظم تحريك الدم في عُروقنا ولكن المقصود هنا بكلمة القلب أي مركز كل إحساس يشعر به المرء.  

 علاوة على ذلك لا يستطيع الإنسان أن يشعر بالخالق بكل قلبه ولكن وبالتحديد من خلال نقطة صغيرة فيه فقط. ففي دورة الحياة يأتي الإنسان إلى مرحلة أو موقف معيّن يعي وجود النقطة في قلبه وعندها يبدأ الشخص بالشعور برغبة تجاه العالم الروحي والخالق, وكلما أخذت هذه الرغبة تنمو في سماتها المشابهة لتلك التي للخالق في محبّة الآخرين والعطاء, عندها يستطيع النور أن يدخل هذه الرغبة "أي يدخل النور إلى قلب الإنسان".  

قلبنا هو مركز ومجمَع رغباتنا الأنانية, والنقطة الصغيرة في داخله هي جزء من الرغبة الروحية والمحبّة للغير أي "عكس الأنانية" والمزروعة فينا من فوق بواسطة الخالق نفسه. إن مِنْ واجبنا أن نُغذّي هذه الحالة الجنينية لهذه الرغبة الروحية لتصل إلى درجة أنها هي نفسها "وليس طبيعتنا الأنانية" تكون قادرة على أن تُحدّد وتقرّر كل طموحاتنا. وفي نفس الوقت وبتنمية الرغبة الروحية أن رغباتنا الأنانية التي في قلبنا تستسلم وتتقلّص ثم تذبل وتتلاشى.  

بعد ولادتنا في هذا العالم كلُ شخص منا مُلزمٌ أن يُغير مشاعر قلبه من حب الذات إلى حب الآخرين أثناء تواجدنا هنا في هذا العالم . هذا هو هدفُ حياةِ الإنسان وسبب وجوده هنا في هذا العالم والذي هو أيضًا هدف كل الخليقة. فإنَّ الإستبدال الكامل للرغبات الأنانية "حب الذات" برغبات محبّة الآخرين يُدعى "نهاية مراحل الإصلاح". يتوجّب على كل فرد منا وعلى كل الإنسانية أن تُحرز هذا الإصلاح معا ً في هذا العالم. فإلى أن يصل الإنسان إلى نقطة بلوغ هذا الهدف سيعود إلى هذا العالم من جديد. الكتاب والأنبياء تكلموا عن هذا الموضوع بشكل خاصّ وكليّ. طريقة التصحيح هذه تُدعى "بعلم الكابالا".

 يجب علينا أن نوجه إنتباهنا إلى شىءٍ واحدٍ فقط , وهو نور الخالق الذي يُنمينا ويُقوِّمُنا. إذا كنا نتوق بأن نختبر تأثير نور الخالق علينا وعلى حياتنا واضعين أنفسنا في طاعته, عندها فقط سيُنجز النور عمله فينا . ليس هناك إكراه أو إجبار على أي شىء في العالم الروحي. تصحيح أو تقويم النفس ينشأ فقط بحَسبَ مقدار رغبة الإنسان بإخضاع ِ نفسه للتقويم. بالإضافة إلى هذا, يجب أن تكون رغبة الإنسان صادقة وحقيقية وليست زائفة او شكليّة؛ وهذا معناه بألا ّ يكونَ هناك أيُّ مراوغةٍ, فما تَنطُقه بشفتيكَ يجب أن يُماثلُ تماماً الذي في خفايا قلبكَ. نحن فقط نَستخْدم هذا النوع من السلوك في الكابالا والذي له أفضل تأثير علينا من ناحية تقويم أنفسنا ومساعدتنا على إجتياز كل مرحلةٍ حتى نصلُ إلى غايةِ هدفنا الذي هو الإتحاد مع الخالق.  

 

 

جوهر علم الكابالا - موضوع علم الكابالا

alt

موضوع علم الكابالا

في البداية, قرأ عالم الكابالا الشهير أليعازر قائلا ً: " إرفعوا إلى العلاء عيونكم وانظروا من خلق هذه كلها إرفعوا عيونكم إلى أي مكان ؟ إلى فوق , إلى الذي يعتمد عليه كل بشر. من هو ؟ هو مانح الحياة ومُفتح الأبصار ". لقد خُلق الإنسان أنانيا ً بشكل مُطلق, فليس بإمكانه أن يتبنى رغباتٌ مختلفة ٌعن التي ولدَ فيها من أناس آخرين أو من عالمه المحيط به - لأنَّ محيطه مشابه له تماما ً - وبما أن ليس له أي إرتباط أو صلة بالعالم الروحي حيث أن إرتباطه الروحي ممكن فقط إذا كانت هذه الرغبات عاملا ً مشتركا ً بينه وبين الخالق.

فإذا ً من الممكن الحصول على الصفات الروحية فقط من خلال الرغبات الغيريةأي حُب الغير. وبما أن الشخص في هذا العالم ليس لديه مجال المعرفة ليتجاوز من خلالها الحدود المادية لهذا العالم بنفسه لهذا السبب وجدَ علم الكابالا ليساعد الإنسان أن يكتسب رغبات العالم الروحي.

من أجل خلقْ الإنسان منفصلا ً عنه, ولكي يدرك عدم أهميته من دون الخالق وبكل حرية يختار الرغبة في الإرتقاء نحو العالم الروحي, خلق الخالق كل الخليقة كدرجات نازلة نحو الأسفل من فوق من عنده . ينزل نور الخالق في نطاق هذه الدرجات وفي أسفل هذه الدرجات خُلقَ عالمنا وخُلقَ الإنسان . فعند إدراك الإنسان بضئالته وعدم أهميته وأيضا ً برغبته في التقرب من الخالق, عندها ( أي إلى حد رغبة الإنسان في التقرّب من الخالق) يستطيع الإقتراب مستخدما ً نفس الدرجات التي إنحدر منها من البداية .

بشكل كليّ يوجد هناك عشر درجات وتُدعى " العشر سفيروت " وهي كالتالي :

كيتير- حوخما - بينا - حيسيّد - ڨيفورا - تيفيرّت - نيتساح - هود - ياسّوود - ملخوت

كحجاب أو ستار هذه الدرجات العشر تحجب عنا الخالق ونوره . هذه الستائر العشر تمثل العشر درجات أي مسافة بُعدنا عن الخالق. بالرغم من إحصاءنا لعشر درجات ففي الحقيقة هناك خمس درجات, وهذا لأنَّ الدرجات السِّت التالية : " حيسيّد - ڨيفورا - تيفيرّت - نيتساح - هود - ياسّوود " كلها مجموعة فيسفيرا (مفرد لسفيروت) واحدة أو درجة واحدة وتدعى زعيرآنبين .

يُشار إلى درجة زعيرآنبين بالإسم تيفيرت لأن هذه السفيرا تُظهر السمات والصفات المشتركة لجميع السفيروت السة مُجتمعة ً معا ً.

المخطط رقم ١

__1

إذا ً للإقتراب من الخالق درجة واحدة نبداء بالدرجة الأخيرة أو السفلى من فوق ( ناظرين من الأعلى ) أي فوق عالمنا مُباشرة ً, يتوجب علينا تبنّي السمات التي تتصف بها هذه الدرجة ( أي صفات النور على هذا المستوى ). المقصود بإكتساب صفات متماثلة ومتطابقة أي أن يكون لدينا نفس الرغبات التي للنور على هذا المستوى . ففي حال التوافق في الرغبات فللوقت يختفي الستار أو الحجاب الذي كان يفصلنا عن الخالق من قبل ويتركز وجودنا في إطار هذا المستوى أو هذه الدرجة وعندها يكون هناك تِسعُ درجات تفصلنا عن الخالق بدلا ً من العشرة . وهكذا الأمر .

 

فعلم الكابالا يدرسُ ويبحثُ في كَيفية تعاقب هذه الجذور وإِنحدار هذه القوات من الأعالي, قواتٌ كاملة ٌ ومثاليَّة ٌ وأَبديَّة ٌ , أي الخالق نَفسهُ, وكيف تتحولُ هذه القوّات نسبيّا ً لنا خلال إنحدارها إلى عالمنا هذا . القانون الذي به يأخذ هذا الحدث مجراه هو قانونٌ مُطلقٌ ليس قابلا ً للتغير تماما ً كما أنَّ قوانين الطبيعة التي في عالمنا هذا أيضا ً غيرَ قابلة ً للتغير. صحيحٌ أنَّ بإمكاننا إستخدام هذه القوانين بطُرُق ٍ مُختلفةٍ ولكن القوانينُ نفسها لا تتغير . تَنحَدرُ هذه القوّاتُ إلينا هنا في عالمنا هذا من الأعلى وتؤثر على الإنسان وفقا ً للقوانين الصارمة والمطلقة من أجل الإرتقاء بهذا الإنسان أو ( بنفس المعنى ولكن من منظورٍ آخر) إظهار الخالق نفسه لهذا الإنسان بشكل ٍ تدريجي خلال وجوده هنا في هذا العالم .

يتضّمنُ عِلم الكابالا كل شيءٍ خُلق من الفكر الذي نَشأ من الخالق. يدرس هذا العلم ويبحث في كيفية إرتداء هذا الفكر بتلك القوّات وكيف هذه القوّات بدورها أنشأت مسألة والتي هي المشيئة أو الرغبة بالتمتع والتنعم, وكيف إنبثقَ الإنسانُ من هذه المشيئة . كما ويبحث هذا العلم أيضا في كَيفّة سماح هذه القوّات للإنسان بأنْ يَصل وبشكل ٍ تدريجي إلى الهدف الأعلى والأسمى وهو الوحدوية مع الخالق في نفس الوقت وعلى الرغم ِ مِنْ تواجُدنا في عالمِنا هذا الذي يُعتبر الدرجة الأدنى من الوجود ككل . تدرسُ الكابالا كل هذه المراحل مع كيفية حدوثها . كما وتتضمّن كل شيءٍ بأكمله ومن دون إخفاء أيِّ شيءٍ في علم الكون . كل الأفكار وأنواع السلوك مع كل أنواع الشعور والأحاسيس في كل العوالم وطبعا ً هذا يشمل عالمنا أيضا ً, كل هذه الأمور هي موضوع بحوث علم الكابالا .

 

القانون العام والقانون الخاص

alt

القانون العام يعني أنَّه في نهاية مراحل النمو الروحي الكامل , الإنسانية بأجمعها ستُظهر وستبلغ مرامها بشكل محتوم بإحرازها العالم الأعلى حيث القوة الإلهية الحاكمة . أما القانون الخاص فيعني بأنّه يوجد هناك وفي كل جيل ٍمن الأجيال ِ أفرادٌ يستطعون إحراز العالم الأعلى بمفردهم حتى قبل بلوغ الإنسانيّة بأجمعها ( كل النفوس البشرية ) إلى درجة الكمال . الغاية أو الهدف الرئيسي للقوة المُنبثقة من الخالق نفسه هو كالآتي: السبب الوحيد والمُتعذر إجتنابه هو أنَّ الخليقة بأكملها وُجدت لتُحقّق هدفها في إحراز التوازن مع الخالق والإتحاد معه, ولإحراز الفهم والإدراك التام لعظمته والتوازن مع صفاته بحسب القوانين المحدّدة للنمو الروحي . هذا هو القانون العام للكون .

ليس هناك أي قوة أو حدثٌ أو حتى فكرٌ ينشأ من الخالق يأخذُ مجراه في العالم خارج إطار أو حدود هذا القانون . كل ما يحدث في الكون خاضعٌ لمبدأ أو للمفهوم العام لهذا القانون . كلمة " عام " تعني " شاملا ً لكل شيء وبدون إستثناء ". وهذه الثلاث: _ الفكر , القوة , الحَدث _ تشملُ في مضمونها مبادئ بنية الكون بأكمله . فمهما كنا مُقتنعين بأنّه من الصعبِ ومن غير الممكن أنه يوجد أي شيء ذو نقص أو خلل والذي ليس هو جزء من هذا الفكر أو حتى مُضاد له - فهذا من المُستحيل . فإنّ كل ما يحدث في الرغبة أو في الفكر أو في السلوك هو جزءٌ مباشر من القانون العام والذي بدوره هو الحاجة الضروريّة لتتمكّن الخليقة من الوصول إلى منزلتها الرفيعة في العالم الأعلى. ولكنه واضح ٌ من وجهة نظرنا المحدودة في إطار حواسنا أنّه يصعب علينا فهم وإدراك كل الذي يحدث حولنا, ولكن القانون هو القانون ويبقى هكذا محددا ً وبإحكام من دون زيادة ولا نقصان .

يؤكد القانون العام بحتميته أنَّ الإنسانية بأكملها ستصل إلى مرحلة بلوغ ِ هدفها . بالإضافة إلى هذا يُشير القانون الخاص بأنَّ في كل جيل من الأجيال يوجد هناك أناسٌ بإستطاعتهم الوصول إلى هذا الهدف بعينه وقبل الخليقة بأجمعها . لكن وفي ضوء ما قيل لا بدّ أنْ يتساءلَ المرء قائلا ً :

" إذا كنا نخطو في هذا الإتجاه على أيّةِ حال فلماذا إذاً يجب علينا أيضا ً أنْ نسأل من الخالق ليُهدينا في نفس هذا الإتجاه, ولماذا يتوجّب علينا بذل أيّ جهد ؟ أليس بإمكاننا الجلوس تحت السماء مراقبين النجوم في ليلة مُقمرة أو حتى في بيوتنا الحديثة أمام جهاز التلفاز أو حتى نجلس من دون عمل أيّ شيءٍ وننتظر هذه القوانين لتؤثر علينا وتغير مجرى حياتنا ؟ "

في الواقع أنّ مدى تأثير هذه القوانين علينا (وجذبنا تجاه الهدف ) يعتمد على درجة تعاوننا معها وتلائمنا وتوافقنا مع توجيهاتها وهدفها وطريقة فعاليتها أو أسلوبها . الإنسان مكوَّنٌ من فكر وإرادة وفعل, ومن المتوجب عليه بأن يجعل فكره وإرادته وسلوكه معا ً تتلائم وتتشابه في الصفات مع تلك التي للخالق أي وبمعنى آخر إنعكاس فكر الخالق على سلوك الإنسان , لأن القانون الذي يُقرب الإنسان من الهدف يؤثر عليه فقط في حدود درجة توافقه مع صفات وسمات الخالق .

إذا كان الإنسان نفسه لا يطمح أو يتوق نحو الهدف الذي عيّنه له الخالق بل إختار أنْ يقف ثابتا ً في مكانه رافضاً أن يخطو إلى الأمام , إختياره هذا سيؤدّي به إلى إزديادة إمتصاصه لللإنطباعات السلبية التي في بيئته حتى يصل إلى نقطة حيث يعيّ وبوضوح بأنَّ وقوفه في نفس المكان لا جدوة فيه ولن يعود عليه بأي نفع ٍ عندها يفهم بأنه من اللازم بأنْ يتحرّك ويسير نحو الهدف .

من ناحية أُخرى, تراكم الإنطباعات السلبية وقدرتنا على فهم هذه السلبيات يُشار إليه بمفهوم " إدراك الإنسان بشرّ نفسه" . ولكن هذا المفهوم بعينه لا يُحرضُنا على التقدّم بتاتا ً. فالإنسان يصل إلى مرحلة الإدراك بشرّ نفسه عندما تراوده أسئلة مثل : " لماذا أنا واقف في نفس المكان وليس لدي الرعبة في التقدّم ؟ ما هي طبيعة البشرية ؟ ولماذا تقاوم وبشدّة التقرّب من الخالق , ومحبّة الأخرين والعطاء بسخاء بدون منفعة ؟ من المحتمل أن يقودنا تفكيرنا بكل هذه الأُمور على أننا أحرزنا تقدماً ملحوظا ً ولكن هذا ليس بصحيح . فهي ليست إلا تراكمات الإمكانيات والطاقة السلبية الكامنة في داخلنا والتي تتزايد في التراكم إلى أن تصل بنا إلى درجة كبيرة من الضغوط كافية لأن توقظ في داخلنا رغبة حقيقية والتي بدورها تحثّنا على أخذ خطوة مهما كانت صغيرة إلى الأمام تجاه الخالق .

حالما وفي اللحظة التي يأخذ هذا الحدث مجراه , القوة التي تجذبنا ورائها ( أي النور الذي من الخالق, هذا النور الذي يعود الى المصدر ) تؤثر علينا قي الحال وهكذا تتوفّر لنا الفرصة بالتقرّب من الخالق ولو بخطوة صغيرة جدا ً تقاس بالميليمترات .هذا هو السبب أنَّ الإنسانية وبالرغم من أنها سارت في طريق ٍ مُفعم ٍ بالآلام والعذاب على مدى آلاف السنين من تاريخها, لم تبرح من مكانها ولم تخطو ولو خطوة واحدة نحو الخالق. بل أدركت بشكل جزئي ( أي أصبحت متفهمة ) لشرّها, ولكن إدراكها لشرّها ليس إلا مجرد إدراكا ً جزئيا ً.

فإذا ً إدراكها هذا ما يزال بلا هدف , وبعيدا ً ومنفصلا ًعن المصدر . ولكن حالما تحصل البشرية على قدرة الإدراك الكاملة والصادقة عندها تتيقّظ فيها رغبة ٌ حقيقية ٌ للوصول إلى الهدف الموضوع أمامها, وعندها فقط تستطيع أن تعلو وترتقي من مكانها إلى المرحلة التالية . أي أنها تعلو من المرحلة المتواجدة فيها الآن , والتي هي أدنى درجات الوجود الذي هو " عالمنا ", إلى بداية العالم الأعلى . يُمثل عالمنا الدنيوي الذي نعيش فيه الدرجة الأدنى من الوجود ككل وهو بحد ذاته غير منقسم إلى درجات. ما معنى عبارة " بداية العالم الأعلى أو الأسمى " ؟ معناها هي بداية تشابهنا مع صفات وسمات الخالق وبداية بزوغ أو نشوء رغبة مشابهة بالتي للخالق.

القانون الخاص

يعني أن بإستطاعة شخص واحد أو مجموعة صغيرة من الأفراد " بدلا ً من البشرية بأكملها " إكمال عملية الإنتقال من هذا العالم إلى العالم الأسمى. يؤكد القانون العام بشكل حازم بأنه في النهاية البشرية بأكملها ستبلغ الهدف نفسه بشكل محتوم . مما سبق ذكره نكتشف مدى تفاعل القانون العام مع القانون الخاص ونفهم كيفية العلاقة التبادلية والمشتركة وكيف كل منها يسند ويدعم الآخر أو بالأحرى كيف يستحث ويساعد كل منهما الآخر .

والآن لا بدّ وأن نتساءل عن مدى تأثير القانون الخاص عليَّنا كأفراد في مجتمع البشرية, هل تساعدني البشرية في بلوغ الهدف أم أنا أُساعدها ؟ في إطار القانون الخاص هل بإستطاعتنا أن نتعاون سويا ً في ضمن المجموعة لنصل إلى الهدف ؟ هل في هذا التعاون فائدة للبشرية بأسرها أم يتوجّب على كل شخص ٍ بمفرده أن يعمل للوصول إلى الهدف ؟ كنتيجة نهائية توجد هناك قواتٌ فردية تؤثر على كل شخص ٍ بمفرده كما وأنه يوجد قواتٌ عامة تؤثر على البشرية ككل, معا ًهذه القوات تعمل لتساعد الإنسانية لتُحرز تقدما ً إلى الأمام .

تضامنا ً مع ما قيل وتوافقا ً مع طبيعة بنية النفوس البشرية, والتي بدورها تُشكل الطبيعة البشرية, يتوجّب علينا أن لا ننسى ولا نتغافل عن الواقع بأنَّ بنية الإنسانية شبيهة بالهرم, تسعون بالمئة من النفوس ( والتي تؤلف قاعدة وجسد هذا الهرم ) تُشكل كَّلا ً كاملا ً من فئات الرغبة الضعيفة.

المخطط رقم ٢

__2

الأشخاص الذين ينتمون إلى هذا الجزء من الهرم لا يدركون بوضوح ٍ كاف ٍ بحتمية قضائهم وقدرهم بأنفسهم , فإنهم يستطعون إنجاز مهمتهم وتحقيق هدفهم بإرتقائهم إلى العالم الأسمى فقط عن طريق تعاون متبادل ومشترك في الجهود المتبادلة بين الإنسان وأخيه الإنسان. مجموعة صغيرة فقط من البشر ( نسبة قليلة جداّ من الإنسانية كلها ) تسعى نحو الهدف بوعي وإدراك واضح لمفاهيم هذه القوانين بينما البقية يصلون إلى الهدف نفسه بكونهم فقط مرفقين مع هذه المجموعة القليلة.

بالتأكيد أنَّ هذا بعينه لا يقلّل من شأن نفس هذا الفرد الذي ينتمي إلى الأغلبية. فهو قد خُلق بهذه البنية منذ البداية. إذا وصل الإنسان إلى معرفة نفسه وإدراك ذاته وكيف خُلِقَ وما هو هدفه بكل تأكيد, عندها يدخل حالة أو مرحلة اللانهائية أو الأبدية, والكمالية المطلقة والمقصود بهذا هو التحرّر من الإثم في هذه الدنيا والإرتقاء إلى مرتبة الكمال بنفس الطريقة التي يتبعها كافة البشر . ففي النهاية لن يوجد هناك أي فرق بين النفوس البشرية حينما يكتمل بناء الإنسانية عندما تصل إلى هدفها المقدر لها.

السؤال الذي يجلب إنتباهنا هنا هو: " إذا كانت كل الإنسانية قد خُلقت في نفس الوقت, حتى ولو كان كل شخص حاليا ً يملك مستواه الخاص من الرغبة, فيتوجّب على الإنسانية بأجمعها أن تطمح وبشكل تناسبي نحو الهدف كلُ إنسان ٍ حسب مستوى رغبته . " درجات الرغبة هي: صفر, واحد,إثنان, ثلاث, وأربعة, وأسمائها كالتالي : " الجماد , النبات , الحيوان , المتكلّم , والروحي " . لماذا أذا ً لا يأخذ هذا الحدث مجراه على هذا النمط , وحتى ولو بأسلوب متناقض مع هذا المبداء فماذا إذا ً ؟

إذا أمعنا النظر في التاريخ نلاحظ بأن الطموح للهدف ينبثق ظاهرا ً للعيان من خلال بعض الأفراد فقط كالفلاسفة والعلماء والقادة الدينين وبعض الأفراد العادين والبسطاء الذين يتوقون ويطمحون في البحث عن معنى الحياة بينما البقية الباقية من الناس لا يبدون أي إهتمام في أيجاد المعنى والهدف لوجودهم في هذا العالم . إذا نظرنا إلى الإنسانية من وجهة نظر محايدة وغير متحايزة ( عوضا ً عن منظور علم الكابالا ), كم من الناس من حولنا نجدهم يتسألون عن معنى الحياة ؟ ليس الكثيرين . فالأغلبية من الناس يختزلون هذا السؤال مخضعينه إلى أفكارهم ومفاهيمهم الشخصية البسيطة, أي إنهم يستخدمون العالم المادي لقياس مفهوم معنى الحياة لديهم . على سبيل المثال: إنهم يعتقدون بأن ليس هناك سعادة في الحياة من دون المال, أو ليس هناك سعادة من دون سلطة ونفوذ شخصي, أو من دون إكرام وسمعة حسنة ..... والخ

بعض الأفراد فقط يطمحون إلى ما هو أسمى من العالم المادي في هذه الحياة. ولماذا هذا الطموح ينبثق فيهم؟ لماذا هذا القانون, علاوة ً على تأثيره على الإنسانية بأجمعها بشكل مباشر, أنه أيضا ً يؤثر على بعض الأشخاص بمفردهم ؟ لماذا ينقسم هذا القانون إلى قانون عام وقانون خاص ؟ أليس من الممكن أن يكون هذا القانون واحدا ً وعاما ً للجميع, فإذا ً ما هي ضرورة تخصيص بعض الأفراد من دون الجماعة ؟ هل يُعقل بأن هذا يشير إلى نقص أو خلل في هذا القانون ؟

ففي النتيجة أليست الإنسانية كائنٌ حيٌ أحادي ؟

في حقيقة الواقع إن إصلاح الإنسانية يعتمد على رغبتها في بلوغ وتحقيق هدفها. من أجل تطعيم رغباتنا الأنانية برغبات مخالفة لها ولمصالحنا الذاتية ( برغبات لمحبّة الغير والتي هي مُخالفة للطبيعية البشرية ), ينجزُ الخالق وبحرص إصلاحا ً وتقدما ً روحيا ً في نفوس بعض الأشخاص المعينين وفيما بعد يعمل لإصلاح الجميع من خلال مساعدتهم.

 

الصحيفة الشهرية

أضف الموضوع إلى صفحتك

Soundcloud


إكتشاف أسرار الوجود

إكتشاف أسرار الوجود والحكمة الخفية وراءه

 

إكتشاف أسرار الوجود
والحكمة الخفية وراءه
للتحميل الكتاب


إكتشاف أسرار الوجود - سؤال وجواب

 

إكتشاف أسرار الوجود -
سؤال وجواب
للتحميل الكتاب

دروس في علم الكابالا

self study-kabbalah.info

الحلقة الدراسية الحرة

هدف هذه الدورة الدراسية هو إعطاء 
فكرة عن ماهية علم حكمة الكابالا
وكتاب الزوهار 

  بإمكانك إرسال سؤالك من عبر الموقع 
وتتلقى جواباً