Kabbalah.info - Kabbalah Education and Research Institute

دروس ومحاضرات

أول سلسلة الدروس المنهجية والتعليمية لدراسة الكابالا

دراسة موجزة لمقدمة البحث المبدئي والأساسي لعلم الكابالا.

kursy menu

تشرح سلسلة المحاضرات الأولى في دراسة الكابالا المفاهيم الأساسية المتوجب معرفتها لكل من لديه الرغبة والإهتمام في دراسة الكابالا. تتألف هذه السلسلة من المحاضرات من ثلاثة دروس تشرح ماهية علم الكابالا وكيفية الإدراك الحقيقي للواقع مع شرح لهدف وجود الخليقة وسبب المعاناة وضرورتها ودورها في نمونا الروحي.

 

 

 

 

الدرس الاول 

Smartphone, Mobile Phone, Facilities

 محتويات موضوع هذا الدرس


ثلاثة أسباب جعلت علم حكمة الكابالا ما يسمى بالعلم الخفي:
تعمّد علماء الكابالا إخفاء هذا العلم من العامّة.

كتب علماء الكابالا جميع النصوص بلغة خاصة, وهي لغة الفروع.

تدرس الكابالا ما هو خفيّ عن إدراكنا الحسّيّ. 

الشرط الوحيد لدراسة الكابالا هو الرغبة الصادقة في اكتشاف معنى الحياة.

دعونا نبدأ  بلمحة عامة عن الكابالا لأن هناك قدراً كبيرا ً من الإلتباس حول هذا الموضوع. هناك الكثير من المعلومات المختلفة حول الكابالا. هناك آلاف من الكتب في كل عام تنشر حول هذا الموضوع، والكثير من هذه الكتب لا يوجد علاقة فيما تُناقشه في مواضيعها على الإطلاق مع الكابالا؛ انهم مجرّد نوع من إبداعات من خيال الناس في ما يعتقدون أنها من الممكن أو ما ينبغي أن يكون معنى الكابالا معتمدين على حدسهم  وخيالهم، وهذا ليس ذنبهم. فهناك شوق كبير لمعرفة  الكابالا وماهيتها ومصدرها وتأثيرها علينا وهل من الممكن إستخدامها في تحسين حياتنا.

لماذا تدعى الكابالا  "بالعلم الخفيّ"؟ دعيت الكابالا بالعلم الخفيّ لأسباب عدة منها أنه  قد تم عمدا ً تخبئة حكمة الكابالا ومصادرها عن العامّة من قبل أولئك الذين كانوا يقومون على دراستها والبحث فيها.  بدأت الكابالا منذ أربعة آلاف سنة مع سيدنا ابراهيم عليه السلام، في تلك الفترة من الزمن، لم تكن الكابالا متوارية ومحجوبة، بل كانت تُدرَس على نطاق واسع. جميعنا نعلم أن أبونا وسيدنا ابراهيم عليه السلام, فتح خيمته لإستضافة الغرباء والعابرين في طريق سفر مُعبرًا عن حسن ضيافته. فكان يستضيف الناس من كل البلاد من حوله, مظهرا ً كرمه نحوهم بتقديم الطعام ومكان للإستراحة من عناء الطريق وكان أيضا ً يُعلمهم علم حكمة الكابالا. فأن الناس الذين كانوا يعيشون في أيام سيدنا إبراهيم عليه السلام كانوا أصحاب نفوس صافية ومهَذبَّة لفهم الحكمة بشكل طبيعي أكثر من النفوس التي تعيش الآن  في وقتنا هذا. 

ولكن شيئا ً ما حدث في بداية عصر التقويم المشترك فبل ألفي سنة مما  جعل من المستحيل على الناس من هذا الجيل وعلى مدى الألفي سنة التي تبعتها أن يُدركوا أي شيء عن مفهوم علم الكابالا. ومن هذه النقطة أخذت الأديان المختلفة بالظهور، وهذه هي النقطة التي بدأت فيها التكهّنات حول كيفيّة تركيب هذا العالم، وتركيبة الكون، ومن هو الخالق، وهكذا نشأ في مُخيِِّلة الناس ووفقا ً لمبدأ خاص الذي تخطت البشرية من خلاله إلى المقدمة في تطورها. هذه الصفة  والخاصِّيَّة التي تحلت بها النفس البشرية في هذا الزمن سلبت قدرتهم على الإدراك النقيّ والطاهر للأمور، لذلك أخفى علماء الكابالا الحكمة عن الناس.

واذا قلنا إن كتب الكابالا دائمًا في حوذتنا, هذا جيد, ولكن المشكلة هي ان علم  الكابالا دعي بالحكمة الخفية  لأن الكتب نفسها مكتوبة بلغة خاصة غير المتعارف عليها  لدى الناس. فجميع كتب  الكابالا مكتوبة بلغة تسمى "لغة  الفر وع" والتي فيها إستخدم علماء الكابالا كلمات ومصطلحات من عالمنا هذا للتعبير عن المفاهيم الروحية بلغة نستطيع إدراكها وبالتالي فهم العالم الروحي وبنيته, لقد إستخدموا كلمات لأشياء معروفة  ومفهومة لدينا  على سبيل المثال:  كأس, كتاب, طاولة, رحلات  وحروب  و...الخ . كل هذه الأسماء والمصطلحات التي نراها في الكتب التي كتبها سيدنا موسى عليه السلام وكتب الكابالا الأخرى كلها  كلمات ومصطلحات  من عالمنا ولكن في الواقع أنها لا تُشير أو تتحدّث عن أي شيء في هذا العالم. كلها كلمات ذو معاني مضمورة, فالكابالا تدرُس بنية العالم الروحي  والقوة العليا بمختلف درجاتها  والمصطلحات التي تستخدمها هي لهدف شرح وتفسير العالم الروحي وكيفية عمل القوة العليا وإدارتها لعالمنا  الذي نعيش فيه.

إذا ً استخدم علماء الكابالا لغة خاصة لشرح وتفسير ما كانوا يتحدثون عنه حقا ً، وفقط الطلاب الذين أحرزوا مرحلة معيّنة في مجال دراسة هذه حكمة  يكونون قادرين على الفهم ومعرفة المقصود. يجب علينا أن تفهم أن العالم الذي نعيش فيه ليس عالم الأسباب، بل هو عالم من نتائج الأحداث. أي أن كل ما يحدث هنا في عالمنا أسبابه وجذوره ليست هنا بل في العالم الروحي. وبالمقابل أن كل ما نفعله في هذا العالم ليس له  أي تأثير على الإطلاق على العالم الروحي الأعلى  حيث أنه مصدر كل شيء, وأن كل الأشياء التي نراها في هذا العالم  جذورها  كامنة في العالم الأعلى. لا يوجد أي شيء يمكن فعله هنا يكون له أي تأثير على العالم الأعلى، ولهذا السبب لا يوجد أي شيء نستطيع عمله من أجل حلّ مشاكلنا  التي نواجهها  في هذا العالم.

فالطريقة الوحيدة والفعالة في حلّ مشاكلنا هي صلتنا بالمصدر أي بالمستوى الجذريّ للأمور والأحداث, وهذا هو جوهر بحث علم الكابالا.

إذًا واقعنا ككل مبنيّ بطريقة  أن هناك عالمنا الذي نعيش فيه  وهناك عالم فوقه إذا جاز التعبير. لغة الفروع تدلّ وتشير إلى ما هو موجود هنا في هذا العالم  أي تتحدث عن أشياء ومصطلحات نتداولها، إذا أخذنا كلمة "أسرة"  على سبيل المثال والتي نقرأ عنها في أحد كتب الكابالا؛ فالموضوع  يبدو وكأنه يسرد قصة أسرة إنتقلت من مكان إلى مكان آخر  أو إلى "أرض" أخرى، ولكن في الواقع الموضوع هنا لا يتحدّث عن أسرة في المعنى الذي نعرفه على الاطلاق. بل  يتحدّث علماء الكابالا هنا عن القوات العليا  والتي في الواقع خلقت هذه الاحداث الحاصلة في عالمنا وجعلتها تتجلى بهذه الصورة التي نراها. الدارس الحكيم فقط  يستطيع أن يفهم حقيقة ما يجري هنا. وهذا هو مستوى لغة الفروع، وهذا هو مستوى الجذر أي المصدر. ما لم يتمكن الشخص من أن يتعلم كيف يقرأ ويفهم المفاتيح والمعاني الرئيسية لهذه اللغة التي تدعى "لغة الفروع"،  سيستمرّ  في النظر إلى الأشياء في معناها العالمي المجرّد.

نتيجة للتعمّد في حجب علم الكابالا عن طريق إستخدام لغة الفروع ,  وأيضا ً بسبب عدم وجود أو توفر المدرسين المتخصصين في تعليم الكابالا,  وبما أن الناس ما زالوا في حاجة إلى المعرفة ,  هذه كلها  كانت لديهم  كدافع في إبداعات خيالهم، فقد كان عليهم خلق وتلفيق أمور عن أشياء لم يستطيعوا تفسيرها، والسلوك في هذا الطريق من دون التعليم الصحيح  ومع عدم وجود البنية الداخلية على القدرة على فهم لغة الفروع  التي من خلالها يستطيعون فهم علم الكابالا.

هناك الكثير من الأساطير والخرافات التي  تحيط  بمفهوم الكابالا الحقيقي, والشائع من هذه الأساطير هي أن الكابالا عبارة عن  مذهب باطني "أي الإيمان بأن المعرفة المباشرة للخالق والحقائق الروحية يمكن أن تتم عن طريق التأمل المُبهم , وليس عن الإدراك الحسّيّ العادي",  وذلك بسبب أن علم الكابالا الحقيقي كان مخفيا ً منذ الآف السنين وإلى يومنا هذا وإن القليل من الناس يعلمون ما هو جوهر وموضوع الكابالا . فمنذ الآف السنين قد أعطيتْ البشرية أشياء كثيرة ومتنوعة بإسم الكابالا, أشياء مثل التعويذات واللعنات وحتى المعجزات, كل شيء ما عدا المنهج الصحيح للكابالا.

ففي الواقع لا يوجد أي علاقة بين كل هذه الأشياء مع الكابالا, ولكنها قد ترابطت بشكل خاطىء بمعنى نظرية علم الكابالا في خلال المئة عام الماضية.

فما هي الكابالا؟ الكابالا هي علم , نعم علم ... فعلم الكابالا هو الطريقة الوحيدة لإكتشاف العالم الروحي والحياة الروحية ومعرفة الخالق والذي هو السلطة والقوة العليا التي تدير حياتنا. تُعلمنا حكمة الكابالا عن سبب وجود الإنسان. لماذا ولِدَ, ولماذا يعيش, وما هو هدفه  في الحياة, من أين أتى, وإلى أين هو ذاهبٌ. 

فببساطة هناك قوة عليا واحدة فوق الجميع وهي الخالق الذي يحكم ويسيطر على كل ما في واقعنا . وكل القوات التي في العالم والمدركة  لدينا مثل الجاذبية والكهرباء كلها تنحدر منه بينما هناك قوات ذات نظام وترتيب أعلى والتي تعمل في واقعنا في حين تبقى متوارية عن أنظارنا.

يحتوي علم الكابالا على نظام ومعرفة بُنية هذه القوات المتوارية عنا  وعلى سلسلة القوانين التي من خلالها تؤثر على حياتنا. ويعلمنا أيضا ً كيف نُنمّي حاسة إدراكنا وفهمنا لهذه القوات وإكتشاف هدفها الوحيد بتوصيلنا إلى مرحلة إظهار وحي الخالق خلال حيانتا هنا في هذا العالم. فعلم الكابالا يُنمّي في الإنسان حِسٌّ لنقد وتحليل الأمور, يُنمّي فيه حدس واضح والقدرة على البحث الواعي بشأن نفسه والعالم المحيط به.  خارج نطاق نوعية هذه الصفات المذكورة  لا يستطيع الإنسان أن يبحث في معرفة هذا العالم والعالم الروحي الأعلى.

والسبب الثالث لتسمية علم  الكابالا "بالحكمة الخفية" أن علم الكابالا يتعامل مع ما هو خفيّ عن حواسنا الخمسة أي عن إدراكنا الحسّيّ. فعلم  الكابالا يُجيب عن سبب وجود الإنسان وعن  "ما هو معنى الحياة؟" هذا هو السؤال الغامض، فإن الشخص الذي يبحث في كل مجال متوفر من حوله من العلوم المختلفة ولا يمكنه العثور على الإجابة  في ما يقوله العلم  والفنّ  والأدب  وعلم النفس ، فهذا الشخص ببساطة ليس راضيا ً ومقتنعا ً عن نتيجة بحثه, وفي عدم إيجاده جوابا ً مقنعا ً لسؤاله "ما معنى حياتي؟" في هذه المرحلة يكون الشخص على استعداد لتخطّي إلى  ما وراء عالمنا الماديّ في إدراكه للعالم الروحي.


تقول لنا كتب الكابالا أننا نعيش في واقع كامل. هناك  واقع كبير ومتكامل  ونحن موجودين فيه، إلا أننا لا نشعر به. فحواسنا مقصورة ومحصورة في إطارعالمنا هذا فقط ولهذا نحن لا نعرف ماذا سيحدث في اللحظة القادمة من حياتنا, أو متى ، لا نعرف  من أين أتينا ، ولا إلى أين نحن ذاهبون. 

 

وكما سبق وذكرنا أن هناك واقع كامل وشامل، هذا الواقع مقسّم من خلال نظام يسمى "العوالم". هذه العوالم الخمسة تشكل  الواقع كامل، ومن خلالها هذه العوالم  والتي ينزل من خلالها النور الكامل بقوته ولكن  تتقلص قوته وتقلّ  في كل مرحلة من إنحداره إلى عالمنا إلى أن يصبح في الحالة التي نراه  فيها. رجاء أنظر شرح المفردات

يسمى العالم الأول "عالم آدم كادمون،"  العالم التالي  "عالم أتزيلوت"  والتالي "عالم  بيريا"  ثم "الم يتزيرا" و"عالم آسيا".  يمكنك اعتبار هذه العوالم درجات أو مستويات من الوعي، أو مقياس لتقدير قربك أو بعدك من الهدف في مجال الواقع ككل في مقدار إرتباطك وإدراكك للعالم الروحي، حتى وفي النهاية تصل الى نقطة الانفصال والتي تدعى  "الحاجز". 

هذه هي العوالم الروحية.  تحت هذا الحاجز يوجد عالمنا. هنا ، ليس لدينا أي شعور على الاطلاق بالعالم الروحي، والذي هو المكان الذي نعيش فيه في الواقع والمكان الذي أتينا منه.  إذا كنا ندرك هذا فإننا نكون قادرين على فهم القوة العليا التي تدير حياتنا، ونصبح مرتبطين بها إلى درجة أننا لن نكون قادرين على العيش في الحياة بدون وجود هذه القوة في حياتنا.

كما أن الكابالا كانت  متوارية عنا، كذلك هذه القوة أيضا ً كانت متوارية عنا وتناقصت منخلال النظام المؤلف من ١٢٥ درجة, كسلم  ممتدا ً من الأعلى إلى عالمنا هذا. وُجِدَ علم الكابالا لهدف مساعدة الإنسان في العودة إلى أصلِه المتجذر في العالم الروحي من خلال  ١٢٥ درجة.  

حتى يتسنى لنا أن نحقق هذا، فإن هذه القوة الخيرة  والتي ندعوها "الخالق" خلق هذا النظام عمدا ً.  بعبارة أخرى، ان الخالق عمل نظام العوالم الروحية بدرجاتها, ووضع علم الكابالا بين أيدينا كوسيلة يستطيع الإنسان من خلالها الإحساس بالعالم الروحي والعيش فيه. علم الكابالا هو الوسيلة الوحيدة  لإحراز العالم الروحي.

الآن، وفي هذه المرحلة، يحتاج الشخص الى ان يبحث ويدرس طبيعته البشرية أي "الأنا" وما يحتاج عمله حتى يستطيع الشعور بالعالم الروحي ودخوله.  اليوم نحن نعيش في عصر مميّز وفي جيل نجِد فيه أن الرغبة الى الأمور الروحية متيقظة لدى الكثيرين من مختلف الأعمار ومن مختلف مستويات ومجالات الحياة.  لذلك فتح علماء الكابالا المجال أمام الجميع ولكل من لديه الرغبة في البحث والدراسة.


كما قلنا في البداية أن كتب الكابالا مكتوبة بلغة الفروع وأنه يصعب فهمها للغاية . ولكن هبة الكابالا  في جيلنا هي عندما انفتحت على العالم كله  منذ عام ١٩٩٥ وخاصة ً لأولئك الذين في حاجة حقة لها ، فالكتب المتوفرة لدينا اليوم, أعدّت خصيصا ً من أجلنا. فإن كل الكتابات والتعليقات والمواضيع التي كتبها صاحب السلم وابنه وتلميذه الرابش لم تكتب لأؤلئك الذين أحرزوا العالم الروحي  بل كتبت  للأشخاص الذين يرغبون في إحراز العالم الروحي لتساعدهم في إرتقاء درجات السلم.

هذه الكتب ستكون مصدر بحثنا في الدروس القادمة. سنبحث في الأسباب التي تحوُل بيننا وبين دخول  العالم الروحي ، وما هو الذي يسمح لنا بالدخول إلى العالم الروحي، والطريقة  المُوحى بها في علم الكابالا من خلال كتب ومؤلفات عالم الكابالا صاحب السلم. 

تابعونا  في الدرس القادم , شكرا ً  وإلى اللقاء. 

 الدرس الثاني

إقرأ المزيد...
 

أول سلسلة المحاضرات لدراسة الكابالا -الدرس الثاني

alt

 

الدرس الثاني  

ما هو موضوع هذا الدرس؟

حواسنا الخمسة تعمل كعائق وتمنعنا من إدراك حقيقة الواقع الأبدية.
الوسيلة التي تدير حواسنا الخمسة تدعى - رغباتنا الأنانية.
من أجل معرفة حقيقة الواقع الذي يحيط بنا نحن بحاجة إلى تنمية حاسة جديدة بالإضافة إلى حواسنا الخمسة، ما يدعوه علماء الكابالا  بالحاسة السادسة.
إن دافع الرغبة في الحصول على المتعة والمسرّة هو الحافز لجميع أفكارنا وسلوكنا.

إن تتطوّرنا  بشكل فرديّ وتطوّر البشرية إجمالا ً محصور في ضمن خمس مجموعات من الرغبات:

١- الطعام، والجنس ، وإنشاء أسرة.

٢- تحصيل الثروة.

٣- الحصول على الشرف والعزّة والقوة.

٤- العلم والمعرفة.

٥- المعرفة الروحية.

الطبيعة البشرية هي الرغبة في الحصول والأخذ أي , رغباتنا الأنانية,  وطبيعة الخالق هي الإرادة  والرغبة في العطاء المطلق دون قيد أو شرط.

قانون التوازن  والتوازن في السمات يَنصُّ على أننا خُلقنا من أجل الهدف بأن نصبح مُتماثلين مع سمات الخالق، أي في اكتساب صفة العطاء المطلق ومحبّة الآخرين. 

في الدرس الأول أعطينا لمحة عامة عن ماهية وجوهرعلم الكابالا والمفهوم الصحيح لهذا العلم. وإذا كنت تذكر فقد شرحنا بأن علم الكابالا هو للشخص الذي يبحث عن جواب للسؤال  "ما هو معنى حياتي؟"

والآن  ومن  هده النقطة دعونا  نبدأ بتعريف لعلم الكابالا  ولنحاول تحليل ودراسة هذا التعريف بتفصيل دقيق.

علم الكابالا أو علم حكمة الكابالا هو العلم الذي يتيح للإنسان معرفة ما وراء واقعنا المادّيّ وإيجاد هدفه  في الحياة . وهذا البحث طبعا ً سيثير عدة أسئلة  على سبيل المثال:  ما هو جوهر الإنسان؟  ما معنى مصطلح  "ما وراء الواقع؟"  ما هو العالم الأعلى أو العالم الروحي؟  وكيف يمكن للشخص معرفته والشعور به.

إذا كنتم تذكرون نحن نظرنا  في هذا المخطط من قبل ونعلم بأن حياتنا ووجودنا حَدثٌ في  واقع كامل شامل وغير محدود, فيه  كل عضو مرتبط تماما بالآخرين وكل واحد ممتلىء سرور لا نهائي ومعرفة تامة  وعلى اتصال بكل شيء موجود في الواقع من حوله . ومع ذلك فإن علماء الكابالا والذين أحرزوا العالم الروحي يقولون لنا أنه لهدف معيّن نحن إنحدرنا  من هذا المكان أي من هذا الواقع الكامل لوضعنا الحالي في وقتنا الحاضر  من خلال نظام  يدعى " العوالم ".  إن المعنى الجذري لكلمة "عالم"  في لغتها الأصلية  تعني "الاختفاء".

نحن إنحدرنا من مستوىً كنا فيه مترابطين معًا ومع الواقع , حتى وصلنا إلى مكان يدعى الفاصل أو الحاجز، مما أدى إلى تحديد وحصر وجودنا في هذا العالم الذي نعيش فيه .عالمنا هو المكان الذي لا يوجد لنا فيه إدراك أو إحساس على الإطلاق للعوالم الأخرى ولا للعالم الروحي وهذا ما يُعتبر عالم مادّيّ.


إذا كنت تريد أن تعرف هدف  الحياة في هذا العالم  ومعنى لحياتك أنت، فإنه من الحسن طبعا ً معرفة الرسم البياني للوجود حتى نصل إلى ما نريد معرفته. هذا يبدو وكأنه أمر مستحيل ولكن لا داعي لليأس، فإنه يتوجب علينا تحديد نقطة البداية, فمن هذه النقطة شرع علماء الكابالا في بحثهم. فهؤلاء الذين أحرزوا  الواقع بكلّيّته أي عالمنا هذا والعالم الأعلى يقولون لنا بأن هناك - رسم بياني - للوجود بكامله وللخليقة بكاملها.  يقولون لنا أن هدف الخالق من هذه الحياة هو خلق مخلوق  وإغداق السرور والبهجة على هذا المخلوق "الإنسان" من دون حدود. هذا هو المعنى والهدف الكامل والشامل لهذا الوجود ، وهذه هي النيّة والقصد وراء إدارة العالم وكل ما يحدث فيه الآن وفي المستقبل .  فإن كل القوانين الرئيسية  التي تحكم العالم الروحي  والعالم المادّيّ الذي نعيش فيه,  جذورها كلها متأصّلة في هذا الفكر. فلا يأخذ أي حدث مجراه إلا لهذا الغرض بالتحديد أي أنه نابع من هذا الفكر، ومن هذه النيّة.

السؤال الذي يراودنا هنا هو: ما هو جوهر الإنسان؟  ما الذي يمنع الإنسان من دخول العالم الروحي؟

يجب علينا أن نفهم ما هو واقع إدراكنا الحسّيّ أي الطريقة التي  بواسطتها ندرك الواقع من حولنا , والتي من خلالها يبدو وكأن واقعنا ضيّق ومحدود  وهناك الكثير من الواقع من حولنا لا يزال مخفيّ عن إدراكنا, لماذا؟

إذا أتينا بصندوق وجعلنا  فيه خمس فتحات, كما الصندوق في الفتحات الموجودة فيه كذلك الإنسان بحواسه الخمسة . البيئة التي تحيط بالإنسان هي الواقع بكل أشكاله أي حقيقة العالم الروحي والعالم المادّيّ الذي نحن فيه, بكامة أخرى إن الواقع الكامل هو العالم المرئي والعالم اللا مرئي معا ً . ولكن في عالمنا هذا نحن فقط قادرين على إدراك العالم من خلال حواسنا الخمسة ولذلك نحن نرى جزء فقط من الواقع ككل. فإن قدرة حواسنا لا تتجاوز عالمنا المادّيّ هذا.

إن كل ما  يأتي  من العالم الروحي  لا تستطيع دخول هذا الصندوق أي الإنسان لأن النظام الذي يعمل الإنسان من خلاله  هو نظام مغلق ، أي ان حواسنا الخمسة  تعمل فقط في عالمنا المادّيّ,  فإن كنا لا نرى أو نلمس الأشياء من حولنا ولو حتى المعلومات إن لم نجد صلتها إلى الأشياء المحسوسة لدينا فإنه يصعب علينا إدراكها والتجاوب أو التفاعل معها . فإن كل ما يتوافق مع قدرة حواسنا نستطيع أن نفهمه.  فالمعرفة الحسّيّة للأشياء أو المعرفة المجردة  يجب أن تمرّ عبر هذا النظام  الذي هو حواسنا للتحليل والتفسير حسب المبدأ والقاعدة  التي يسير هذا النظام من خلالها حتى نتمكّن من فهم ما يدور حولنا وبالتالي فهم الواقع الذي يحيط بنا, فهذه هي الطريقة التي ندرك بها الواقع.  


ما هو هذا النظام الذي يتحكّم في كيفيّة إدراكنا للواقع  من حولنا ؟ هذا هو ما يدعى الواقع بصفته الموضوعيّة ، وهذا هو الجزء الصغير الذي  يمكننا إدراكه . أما النظام فهو " الأنا " أي حبّ الذات . فإن كل ما يصادفنا في واقعنا نحن نتعامل معه من خلال " الأنا " فينا , أي كيف أستفيد من هذا الأمر أو هذا الشيء وما مدى تأثيره عليّ. وبالتيجة " الأنا " التي فيّ حددّت الإطار من حولي والذي أنا حبيس بداخله ولا يمكنني تجاوزه لآن كل إهتمامي هو مركز وعلى ذاتي  . ففي أي مرحلة من عمل هذا النظام التركيز دائما ً موضوع وموجه إلى داخل الإنسان مما يُفقده القدرة على إدراك الواقع المحيط به والخارج عن كيانه. 

المشكلة لدينا هي أن كل حاسة من حواسنا الخمسة تعمل بالضبط بنفس الطريقة وطبقا ً للنظام نفسه . أي أن الكل يعمل مركزا ً على " الأنا " في داخلنا ولا يُعلمنا عن أي  شيء  موجود خارج هذا الصندوق أي خارج الإنسان. 

من أجل معرفة  محيطنا وحقيقة  الواقع الكامل أي الواقع بكل ما يتضمنه الوجود وليس عالمنا المادّيّ فقط ,  نحن بحاجة إلى تنمية حاسة إضافية ، والتي يدعوها علماء الكابالا  " بالحاسة السادسة ". هنا أريد ان أوضح  ما يقصده علماء الكابالا  بالحاسة السادسة , فأنا لا أتكلم عن ما يُطلق عليه إسم الحاسة السادسة من قبل هؤلاء اللذين يمارسون التنجيم والتبصير وما يتعلق  بكل هذه الأمور , ولكن المقصود هنا هو حاسة تمكنك من خلالها أن تخلق نوعية من الأتصال مع ما هو خارج الصندوق وخارج نطاق حواسك الخمسة , اي كالهوائي للتلفاز - فإنك تضع الهوائي أو " الأنتين " على السطح - اي خارج الصندوق لكي يكون بإمكانك استقبال الموجات الهوائية لإلتقاط المحطة وبالتالي لترى ما يدور في العالم من حولك , وهكذا الأمر بالنسبة للحاسة السادسة في علم الكابالا. 

ولكي نتمكن من فعل ذلك ، يجب أن تكون لديك الحاجة إلى معرفة ما يدور خارج الصندوق أي خارج إطار إدراكك المادّيّ  للأمور والعالم من حولك  . فمن دون الشعور والرغبة في معرفة ما يدور حولك ستبقى مكتفيا ً بنظام "الأنا " في إدارة حياتك . فإن من الرغبة في معرفة الوجود تراودنا أسئلة مثل : ما هو معنى حياتي ؟  لماذا أنا هنا في هذا العالم ؟  ما هو الهدف الذي وضعني الخالق من أجله هنا في هذا العالم؟

لما خلق الخالق العالم بنى الخليقة على القوانين التي تعمل على إعطاء ومنح الإنسان السعادة والإكتفاء التام بالعيش. وهناك قوة وُجِدت من أجل دفعنا وحثنا نحو الرغبة في الإحساس بالحاجة  إلى الخروج من الصندوق أي خارج إطار حواسنا . إذا كنا نعي ونفهم صيغة تكويننا وما هو جوهر الإنسان أي فهم " الأنا أو الإرادة للاخذ أو التحصيل للذات " - كما ذكرنا منذ قليل :" ما الفائدة التي أجنيها لنفسي " ؟ - عندها أستطيع أن أخرج من هذا الصندوق المغلق وأعرف الواقع الكامل والوجود في كل مراحله بصورة تامة , وأستطيع إيجاد معنى وهدف حياتي وإيجاد معنى الإكتفاء والسعادة الأبدية . بطبيعتنا نحن خُلقنا أنانيين ، ولكن لا بأس بهذا - فهذه هي حقيقة

" الأنا " في داخلنا , وفي الواقع هذه "الأنا " هي ما نحتاج إليها من أجل الوصل إلى هدفنا ، كل ما علينا هو أن نتعلم كيفية استخدامها ، وكيفية الاستفادة منها ، وكيفية تسخير قوتها لتخدمنا في تنمية الحاسة السادسة التي نحن بحاجة لها الإكتفاء التام في هذه الحياة .

الحاجة  هي الدافع الذي نتحرك من خلاله في الواقع ؟ لا شيء ولا أحد يفعل أي شيء في هذا العالم  سواء كانت أفعال مادّيّة أو جسدية أو روحية من دون الحاجة التي تدفعه للقيام بهذا العمل . لنقول على سبيل المثال أنك كنت  جالسا على كرسيك المفضل , مرتاح وتشاهد برنامجك المفضل , أنت تشعر بلذة الراحة ومتعة الجو الذي أنت فيه , فجأة شعرت بالعطش ولكنك لا تريد ترك مكانك  والإبتعاد عن المتعة التي أنت فيها , ولكن بزيادة عطشك هذا الشيء الوحيد الذي سيدفعك للقيام لقضاء حاجتك . إذا ً إن النقص الذي شعرت به والرغبة في سدّ هذا النقص  كان الدافع الذي جعلك تترك شعور اللذة الذي كنت تتمتع به لتسعى وراء لذة أخرى تملأ إحتياجا ً أكبر . هذا بالضبط ما نتكلم عنه هنا فالشعور لملء النقص أي الحاجة هو الدافع الذي يُحرك كل شيء في الواقع من حولنا . وهو الشعور الذي سيجعلك ترغب في الخروج من الصندوق لترى ليس فقط العالم المادّيّ والواقع الجزئي للعالم الذي تعيش فيه بل لترى العالم  على صورته الكاملة  بواقعه الشامل والذي  يتضمن العالم المادّيّ والروحي على حد سواء.


كلنا نشعر برغبات في داخلنا ونشعر أيضا ً بتغيرها لكن في الحقيقة لا نُعير لها أي إهتمام  ولا لهذا النظام الذي يُسير حياتنا . فالرغبة تنمو في مراحل ومستويات وفي كل مرحلة لها نوعيتها الخاصة  . سأحاول بإختصار  أن  أشرح نوعية الرغبة في كل مرحلة من مراحلها: ففي البداية  تنمو الرغبة داخل الرغبات الجسدية , مُركزة ً على حاجات الجسد مثل السعي  وراء الطعام والجنس وبناء الأسرة . هذه هي حاجات ألجسد هنا .  فالرغبات الجسدية هي المرحلة الأولى وهي أيضا ً الأولى في النمو منذ بداية أجيال الإنسانية . بعدها ظهرت الحاجة أو الرغبة في الغنى وتحصيل الثروة وأخذت هذه الرغبة  بالنمو ولكن بعد الوصول وتحقيق المستوى المرغوب فيه, ظهرت رغبة أخرى لتحلّ مكانها وهي الرغبة في الحصول على التكريم من المجتمع ونيل إحترام الآخرين وهذا تجسّد في شكل السعي وراء النفوذ والسلطة . في هذه النقطة  نرى كيف تطوّرت هذه الرغبة في الإنسان . فهؤلاء اللذين كانوا يركزون على الرغبات الجسدية , أخذوا يسعون وراء الغنى . واللذين لديهم الرغبة في الغنى أخذوا يسعون وراء تحصيل الشرف والنفوذ والقوة . بعد هذا ظهرت الرغبة للمعرفة . المعرفة العلمية في كل مجالاتها من الطب والهندسة إلى علم البحار وعلم الفضاء وأخذ الناس في السعي وراء المعرفة على أمل أن يستطيعوا تحصيل السعادة ويشعروا بإكتفاء ورضا.


فالمعرفة هي التي تحدّد لنا العالم المادّيّ وأن كل الرغبات التي ورد ذكرها حتى الآن هي وسيلة نحصل من خلالها على المتعة  , فإن هذا ما نريده وما نسعى إليه لأننا نظنّ أن هذا سيرضينا . فالمعرفة أصبحت عندنا وكأنها قمة الهرم  وذروة ما نعتبره الإنجاز العظيم الذي من الممكن للإنسانية تحقيقه . ولكن الحقيقة إن أي شخص يخوض بجديّة في أعماق هذه الرغبة الكبيرة جدا محاولا ً ملئها فإنه يكتشف أخيرا ً أنها رغبة  فارغة , وأن في المعرفة لا يوجد أجوبة  للأسباب الحقيقية للأشياء وما يحدث حولنا.

بعد أن يبحث الإنسان في كل أنواع المعرفة التي في متناوله فإنه يُدرك حقا ً أن المعرفة لا تستطيع ان تملأ

رغبته وإعطائِه الجواب الكامل والمقنع لما يبحث عنه , في هذه الحالة يكون قد حاول إشباع رغبته ولكن بحثه لم يُعطيه النتيجة التي كان يرغب بها . فعندما يصل الإنسان إلى هذه المرحلة  يشعر بالفراغ  , وفي سعيه في محاولة ملء هذا الفراغ ،  شيء مختلف جدا  يحدث - الشعور برغبة جديدة أخذت تنشأ في داخله -  ولكن هذه  الرغبة ليست برغبة عالمية . بل هي رغبة على مستوى نمو يختلف عنما سبق ورأيناه في الرغبات الأخرى.

هذه الرغبة في  داخلنا  تظهر وكأنها نقطة صغيرة جدا ً ولهذا أطلق عليها علماء الكابالا أسم أو مصطلح " النقطة في القلب". هذه النقطة في القلب هي جزء من واقع أكبر من الذي حولنا.  هي جزءٌ يحمل سمة روحية  في تركيبته , وهذا يعني ان إذا إمتلئت هذه الرغبة  إلى درجة الإشباع ، فهي على خلاف الرغبات السابقة ، تنمو بإستمرار حتى تملئنا بالكامل وتملأ الوجود  كله من حولنا لتأتي بنا إلى العالم الروحي.

فما هو إذا ً الواقع الشامل ؟  إن علماء الكابالا الذين أحرزوا الواقع بكامله يقولون لنا أن الواقع يتكون من صفة خاصة . يقولون لنا بأننا خلقنا بسمات معاكسة تماما ً للسمات الموجودة  في العالم الأعلى ولهذا السبب نجده من الصعب إدراك العالم الأعلى  والواقع الشامل بكامله وعلى صورته الحقيقية . فإذا نظرنا إلى داخل الصندوق فكما نرى انه يبدو وكأن لا يوجد شيء هناك على الإطلاق. ولكن نحن نعلم أن  من كل ما سبق ذكره أن جوهر الإنسان هو " الأنا "  او " الرغبة الأنانية " أي الرغبة في إشباع الذات, هذا ما يوجد داخل الصندوق. 

هذه الرغبة أو " الأنا "  تُضّيق وتحدّد منظورنا للحياة وتجعلنا في وضع يفرض علينا المعاناة والعزلة ومواجهة جميع الأمور والأشياء التي نجدها صعبة في الحياة . الموجود خارج هذا الصندوق أي خارج " الأنا "  لدى الإنسان والغير خاضع لها ولا لتأثيرها ولا حتى مُشابه لها ولا في أي شكل من أشكالها هو " الرغبة في العطاء".  هذه الرغبة هي محبّة كاملة وعطاء غير محدود ولا مشروط . بكلمة أخرى ما يوجد خارج الصندوق هو وجود غير محدود ، ولا حدود له في إغداق السرور والبهجة . والسبب بأننا لا نرى ونشعر بهذا هو فقداننا  للوسيلة  التي من خلالها نستطيع إيجاد الإتصال بهذا الواقع الأعلى وتلقي كل ما هو جيد .

بناءً على هذا نحن نرى الإختلاف الكبير في جوهرنا أي " الأنا " والتي يتركّز إهتمامها بشكل كليّ على صفة الأخذ لإشباع الذات , وبين صفة العالم الروحي  أي صفة المحبّة الكاملة والعطاء المطلق . فلا يوجد بين هاتين الرغبتين أي نوع من التشابه  وبالتالي هذا يمنع أي أنواع التقارب بينهما . كالزيت والماء , كلنا نعلم أن الزيت والماء لا يختلطان , حتى ولو وضعهم في إناء واحد فلا نستطيع القول بأنهما متقاربين , فهما مادتين مختلفتين تماما ً في النوعية والتركيب واللون والنكهة وفي كل شيء آخر. وهكذا الأمر فيما يتعلق بالفرق بيننا وبين سمات العالم الروحي. 

فما هو الحلّ إذا ً حتى نستطيع تجاوز هذا الإختلاف ؟ وما الذي نستطيع عمله ؟ إن الحلّ الوحيد أمامنا لإنشاء أي نوع من التواصل بيننا وبين العالم الروحي  هو تغيير سماتنا  وصفاتنا نحن لتصبح على درجة من التوازن مع تلك التي للعالم الروحي . أي تغيير الرغبة الأنانية فيّ من حبّ الذات والعمل على الحصول على كل شيء على حساب الآخرين إلى الرغبة في محبّة الآخرين والعطاء من دون مقابل وعمل الخير بدافع العطاء وليس بدافع أني أعمله من أجل أن اشعر بأنني إنسان جيد . هذا التغيير مبني على  قانون " التوازن  الشكلي " بمعنى أن الرغبة التي خلقها الخالق وهي " المخلوق " أو " المادة " التي كُونت منها الخليقة . هذه الرغبة لا يمكن إشباعها بشكلها البدائي لأن وفي اللحظة التي يمتلئ فيها الإنسان بالبهجة والسرور يتلاشى هذا السرور ويسعى الإنسان من جديد وراء أشياء أخرى وهكذا هو في دوامة لا نهاية لها . ولكن إذا أراد الإنسان أن يحصل على البهجة والسرور الدائم فيجب عليه أن يقوم بتصحيح ذاته . عملية التصحيح هذه هي إستبدال الصفات الأنانية بصفات الخالق الحسنة والحميدة من محبّة وعطاء .  حالة توازن هذه الرغبة في صفاتها وسماتها  مع سمات الخالق ما يُدعى بالتوازن الشكلي.

في حقيقة الواقع لا يوجد في الكون إلاّ الخالق والمخلوق , وأن كل ما نراه وندركه هو نفسنا والخالق . الخالق من فوق  والمخلوق من الأسفل أي من العالم  .  وإن سمات الخالق هي المحبّة والعطاء ؛ والمخلوق هو الأنا أي حبّ الذات . هذا هو كل ما في الوجود . والخروج من الصندوق يعني العيش في العالم الروحي . والعيش بالعالم الروحي معناه تغيير طبيعتنا الأنانية وتحويلها إلى طبيعة وصفات الخالق الخيرة  والحميدة وعلم الكابالا يبحث في كيفيّة التفاصيل بكل أنواعها ودرجاتها ليصل الإنسان إلى هدفه في هذه الحياة ويجد معنى لوجوده هنا في هذا العالم.

اتمنى بأن تكونوا قد استفدتوا من هذه المعلومات على أمل اللقاء بكم في الدرس القادم وشكرا ً لمتابعتكم.

 

أول سلسلة المحاضرات لدراسة الكابالا -الدرس الثالث

kabmuse preview

 

 

الدرس الثالث

موضوع هذا الدرس

 

۱- الهَدف من فكرةِ وُجودِ الخَليقةِ .

٢- بنية طبيعتنا البشرية والرغبة وملذات الحياة وتجنب الألم

۳- كيف أنَّ المعاناة في الحياة هي مرحلة ضرورية ولا بُدّ منها لنمونا الروحي

٤- الهدف من المعاناة في الحياة هو في خلق الحاجة في داخلنا للبحث عن السبب

۵- قوة النمو والتطور ومعنى المعاناة

لماذا خُلقنا ؟ ولماذا وضعنا الخالق في هذا العالم ؟

يقول علم الكابالا أن هدف الإنسان من وجوده في هذا العالم هو الوصول إلى درجة الكمال والأبدية . ولكن كيف يكون هذا ؟

لقد سبق وتكلمنا في الدرس الأول عن ماهية علم الكابالا ومصدره ولما دعي بعلم الحكمة الخفية. وبحثنا أيضاً في موضوع لغة الفروع التي إسنُخدمت في نصوص علم الكابالا , كما وتطرقنا أيضاً إلى شرح الواقع الشامل بأجزاءه ودرجاته.

أما في الدرس الثاني فقد تكلمنا عن معرفة حقيقة الواقع المحيط بنا وعن الحاسة السادسة كوسيلة في إدراك ومعرفة العالم الروحي وعن أهمية الرغبة والتي بدورها تشكل الدافع في توجيه الإنسان نحو العالم الروحي ليجد معناً وهدفاً لحياته.

وأما في هذا الدرس نحن سنتكلم عن الهدف من وراء فكرة وجود الخليقة وعن المعاناة والدورالذي يلعبه في نمونا الروحي

إن جوهر فكرة عمل الخليقة هو رغبة الخالق في عمل مخلوق وملء هذا المخلوق بالإبتهاج والسرور من غير حدود . هذا هو جذر أو مصدر أيِّ حدث يتجلى في واقعنا وأي حدث يأخذ مجراه في حياتنا هو نتيجة هذه الرغبة ، ونحن نرى كل حدث في منظوره الشامل والذي يضم البداية والنهاية , أي بداية الحدث ونهايته سواء أكان بوسعنا إدراك هذه الحقيقة أم لا.

 

المشكلة لدينا هي أننا نعتقد أنه من المتوجب علينا الإستفسار عن أمور الحياة المعقدة والعميقة والتساؤل عن عدم قدرينا في معرفة ماذا يجري في الكون من حولنا  ومحاولة تخمين وإفتراض مصيرنا وقدرنا , ولكن في الواقع أن الحاجة لدينا هي في معرفة حقيقة واحدة لا غير والتي تفرض علينا أن نسأل السؤال الوحيد والأكثر أهمية والذي في إجابته سنحصل على معرفة عالية ونكتسب منظوراً جديداً للحياة والعالم الذي نحن فيه. والسؤال هو : " إذا كان الخالق رمز المحبة والجودة والعطاء الكامل وكل ما يأتي منه هو الخير إذاً  لماذا نرى الشر يملء عالمنا ؟ وإذا كنت أنا الإنسان قد وُجِدتُ هنا في هذا العالم لهدف الوصول إلى حالة الكمال والأبدية فكيف  يكون هذا ممكناً وأنا أعيش في عالم  يجتاحه الشر بلا حدود؟ كيف سيكون بإستطاعتي إدراك هذا الكمال بطبيعتي الأنانية ؟

سؤال عميق وواسع الأبعاد وذو شقين , ولهدف مساعدتنا سنستعين بكتابات ونصوص علماء الكابالا إذ أنهم وضعوا لنا إطاراً لتوجبهنا في المسار الصحيح فكل الكتابات والنصوص حُفظت من أجلنا نحن والتي َدَوَن فيها العلماء على مر الأجيال نتائج بحوثهم وتجاربتهم الشخصية بعد قضاء معظم سنين حياتهم في البحث في دراسة الحقائق التي بُنيى الوجود عليها والتي إنتقلت من معلم إلى تلميذه على مر العصور إبتدأ من أبونا آدم إلى آخر عالم كابالا في جيلنا الراباش .

عالم الكابالا الشهير والملقب بصاحب السلم يُخبرنا بأن هناك قانون أساسي في علم الكابالا وهو: "كل ما لا يمكن إدراكه أو الوصول إليه لا يمكن تسميته ". ماذا يعني بذلك؟

الهدف الذي نريد أن نصل إليه هو الإدراك الحسيّ المباشر بالخالق ، وليس بفكرة مجردة أو مبداء أو مفهوم فكري أو ثقافي لأنه لا توجد إجابة حقيقية في مثل هذا النوع من التفكير , فالإنسان لا يمكنه أن يشعر بالثقة الكاملة بمجرد فكرة أو بالمفهوم التجريدي لمبداء أو فكرة ما . بل يتوجب على الإنسان أن يكون قادرا ً على الشعور بحقيقة هذه الفكرة بشكل واقعي كإحساسك بقدميك وأنت منتصب عليهما أو كما وإذا كنت تنظر الى شيء ما أمامك وتراه بعينيك . فالإدراك لهذه المعرفة يجب أن يكون حسيّ . إذا ً الحاجة هنا فقط هو في  تغيير طريقة إدراك الحقيقة وليس  الأفكار .

في الواقع إن الإنسان غير قادر على فهم الأحداث التي تحدث له في حياته - أي معرفة مصدرها وسببها - لأنه يرفض قسما ً كبيرا ً من واقعه الذي حوله . فإن مقدار النصف من كل ما يحدث في العالم الذي يعيش فيه يُقدره ويعتبره على أنه شيئ مؤذٍ وغير صالح وبالتالي يتجنبه ويرفضه. وهذا بسبب " الأنا " فينا أي النظام الذي نسير بموجبه والذي هو " الرغبة في الأخذ ". وهذه الرغبة تعمل بمثابة نظام التوجيه الذي يُسيّر حياتنا ، وهذا يعني أننا خاضعون تماما تحت سيطرتها , وبناءً على هذا إن عمل " الأنا " كله يتركز على : إما جذبنا وراء الأشياء التي نجد فيها المتعة والتي نعتبرها جيدة ، أو أنها تذهب بنا بالإتجاه المعاكس لما تحسبه شيئا ً لا يُعد مصدر متعة لدينا بل سيولد الشعور بالفراغ عندنا وبالتالي فإننا نهرب ونبتعد عن هذه الأشياء.

نحن نسعى فقط وباستمرار وراء تلك الأشياء التي تُعتبر جيدة ومصدر لذة لنا , لذلك ليس لدينا الإدراك الصحيح لحقيقة الواقع من حولنا لأن تركيزنا يكون محصوراً في جزءٍ واحدٍ وصغير وبالتالي لا نستطيع رؤية الصورة بشكلها الكامل , ولهذا السبب يكون إدراكنا للواقع خاطئ لأن إهتمامنا مُنصّبٌ فقط على نقطة واحدة ومعينة . حصر تركيزنا على الجزء الصغير ناتج عن نظرتنا للحدث على مستوى أنه سيئ أو معقد. وهذه مشكلة كبيرة بالنسبة لنا  فإننا إذا نظرنا إلى الطبيعة من حولنا فإننا نجد أن كل الحقائق في واقعنا ظاهرة فقط نتيجة قانون التباين.

فإننا نعرف البرودة من نقيضها أي الحرارة , نعرف العلو لأنه يوجد ما يدعى أسفل , نعرف الصغير مقارنة بما هو كبير . فإذا نظرنا إلى - الحرارة - في حد ذاتها ولم يكن هناك شيء معاكس لها ليكون بإمكاننا معرفة نوعيتها وصفتها المميزة والتي تحدد لنا إطار مفهومها وأهميتها وتأثير زيادتها أو نقصها ، فإنها تُعتبر - شيئ مجرد - ولن يكن بإمكاننا أن نشعر بأي شيء فيه . فإذا لم يكن هناك أي حركة ، أي فقدان الوسيلة لقياس أي شيء ، فما الذي يمكننا معرفته عن الحرارة ؟ فلا يوجد أي شيئ في كون أي شيء في واقعنا - مجرد - لأنه لن يوجد فيه أي نوع من الشعور أو الإحساس به . إذا ً إن المقارنة بين ما نعتبره جيدا ً والسبب في أننا نعتبره جيد ، وبين ما نختبره في الحياة على أنه تجربة سيئة ، والسبب في أننا نعتبرها سيئة ، هذا هو الشيء الوحيد الذي يجب علينا موازنته.

إذا ً نحن بحاجة إلى طريقة ونظام ثابت متكامل وجدير بالثقة يساعدنا في وضع الأمور في نطاق أكبر من الواقع المادي المحدود لنقيّم كل ما يواجهنا ، لأن كل تقيمُنا للخير والشر من خلال الرغبة التي فينا أي " الأنا " هو ذاتي تماما وغير موضوعي ؛ ولهذا السبب نحن نقول ان بعض الأحداث التي نراها على أنها شر . ولكن اذا كنا حقا ننظر في الأمر بعمق فلا بد من النظر في التجربة الفعلية ومن كل جانب أي مصدر الحدث والسبب الذي أدى إليه والنتائج الحاصلة وتأثيرها علينا حاليا ً وعلى المستقبل بمعنى كونها العامل الذي سيلعب دورا ً مهم في ما سيحدث بعد ذلك . إذا لتتحقق في رد فعلك بصدق يجب عليك أن ترى الحدث أو التجربة التي مررت بها في حقيقة واقعها الأصلية وهذا هو المقصود بعبارة " إن كل ما لا يمكن إدراكه أو الوصول إليه لا يمكن تسميته" .

إذا نظرنا إلى أمر الحرائق الطبيعية للغابات ، فكل ما نراه هو المقدار الهائل من الضرر ، وفي هذه الحالة نقول أن ما حدث كان سيئاّ جدا ً للأشجار وللبيئة ، ولكن في نطاق أوسع من التفكير الواقعي الشامل ، ما حدث هو شيئ جيد ونافع لأن الغرض والهدف منه هو إزالة كل ما هو ضعيف ومريض وإستبداله بالأفضل , فالأشجار ستنمو بكثافة أكبر وبحالة صحيحة وصحيّة أيضا ً والتربة حصلت على السماد الطبيعي الفائق الجودة والتي بدورها ستكون مصدر غذاء غني بكل المعادن للنمو الكثيف . فالأشياء التي كانت تحول دون النمو الصحيح للأشجار تغيرت بسبب الحريق . والآن وبما أنه توفر لنا صورة الواقع الشامل للحدث هل ما زلت تعتقد بأن ما حصل كان شيئا ً سيئا ً ؟؟ فمن هذا المنطلق , علم الكابالا يسمح لنا بأن نرى الصورة الكاملة أو ما نسميه بالواقع الشامل لكل حدث يأخذ مجراه في حياتنا وعلى كافة مستويات الحياة , وهذا يكون ممكنا ّ من خلال النمو الروحي للشخص والذي يرفع المخلوق من درجة الكائن الحي أي " المستوى البهيمي للوجود " إلى درجة المتكلم أي " المستوى الإنساني الكامل - على صورة خالقه " أي إنسان ذو نفس نامية وتتحلى بسمات خالقها.

إنّ مستوى درجة المتكلم هي نقطة البداية حيث يبدأ منها الإنسان بالتفاعل مع النظام الأعلى وأن يصبح جزءً منه بحيث أنه يستطيع أن يرى الواقع بكامله وليس جزءً منه فقط ويستطيع أن ينظر إلى ما يحدث من خلال المعرفة الشاملة للأمور أي السبب الذي أدى إلى هذا الحدث ليأخذ مجراه في عالمنا وما هي النتيجة الحقيقية والهدف منه .. بكلمة أخرى سيكون بمقدور الإنسان أن يفهم طريقة عمل النظام الذي من خلاله يدير الخالق عالمنا ، وكيف تتحرك بنا هذه القوة العليا بقدرتها الفائقة وبراعتها وتقودنا في طريق سالك في نظام الأنا المسيطر على حياتنا لتجذبنا وراء ما هو نافع وصالح وتردُنا عما هو مكروه وضار . إذا كنا نستطيع أن نرى كل ما يحدث من على هذا المستوى عندها نستيطع أن ترى كل الأحداث بكاملها وليس فقط ما يحدث بين الحين والآخر

فما الذي يتوجب علينا فعله لنكون قادرين للوصول إلى هذا المستوى العالي والرفيع أي إلى " درجة المتكلم "؟ وكيف يمكننا رؤية الأمور من خلال هذا المنظور ؟ الحق أننا لا نستطيع التوصل إلى هذا من تلقاء أنفسنا . فالخيار الوحيد الذي أمامنا هو بمعونة ما هو موجود أصلا ً هناك ، فيجب علينا أن نكون قادرين على الإحساس والشعور بما هو كائن حتى نستطيع أن نتشابه به

في الدرس الأول نحن تكلمنا عن مراحل ومستوى الرغبات , فإن قوة التطور هي في نمو هذه الرغبات في كل مستوياتها وبحسب درجاتها وأن نظام القوة العليا أي الخالق قد رتب لنا أن ننمو ونتقدم من خلال هذه الرغبات إلى أن نصل إلى المرحلة التي فيها نتوق ونرغب الشيء الصحيح بالتحديد . ولكن وبما أننا عنصر أو طرف فعّالٌ في تقدمنا الروحي ونمونا بطريقة غير مباشرة أي ليس من خلال إرادتنا أننا تواجدنا في هذا الوضع ، وليس بإرادتنا أيضا ً أن نُحرز أي يقدم ، حتى نصل الى مرحلة الإيقاظ أي عندما تصحو النقطة في القلب لدى الشخص.

يحدث الإيقاظ من خلال مجموعة الأحداث والتي نصِفُها "بالجيد والسيئ ". بعبارة أخرى, أنّ رغباتنا تنمو وتتغير بإستمرار بحيث تصبح أسئلتنا أكثر عمقا ً وإتساعا ً . فكل حدث فضيع يأخذ مجراه في حياتنا وفي العالم من حولنا يجعلنا نتسائل بعمق : عما هو السبب الحقيقي لهذه المعاناة ؟ لماذا أنا أعاني وكيف يمكنني وقف هذه المعاناة ؟ فإن قوة التطور هذه تبقى تُسيرنا بشكل غير مباشر حتى نصل إلى نقطة فيها نرفض أن نقتنع بأي جواب بل يجب علينا أن نحصل على الإجابة الحقيقية لسبب المعاناة التي نمُرّ فيها ، لأن الجواب على السؤال يأتي فقط من القوة العليا أي من الخالق الذي يدير هذا النظام ويسيّر حياتي.

هنا يصل الإنسان إلى مرحلةٍ فيها يركيز شعوره ورغبته في تكوين حاجة واعية ملموسة في داخله لإلتماس جواب مُقنع لهذا السؤال ولا يمكن لأي رغبة أخرى أن تحل محل إحساسه الصادق في إيجاد الجواب الصحيح , فهذه الحاجة الآن أصبحت وعاء لإحتواء الجواب أي أصبح للإنسان القدرة على تلقي جوابا ً لما كان يطلبه . ولكن حتى نصل إلى معرفة سبب المعاناة ، علينا أولا ً أن نعرف ما هو الجيد وما هو السيء بناءً على مقياس عادل , صحيح وثابت . والآن نحن طبعا ً نعلم اننا لا نستطيع الإعتماد على نظام الأنا فينا لكونه أناني في تقيم الأمور والأحداث وبالتالي فلن نحصل على جواب صحيح منه . فالمقياس العادل والثابت يجب أن يكون مقابل شيء غير مُتقلب بإستمرار . وصفات العدل والثبات هي من صفات الخالق فقط . فسماته التي يتحلى بها من محبة وعطاء مطلق بجانب صفتي أنا المخلوق والتي هي حب الأخذ للذات . فإن مقياس التباين هذا بين هاتين الصفتين المتناقضتين هو الذي سيعطينا الشعور في مكان وجودنا أي المستوى الذي نحن عليه ، لأن الشيء الوحيد هناك لنحس ونشعر به هو الخالق والسؤال الآن هو: كيف يمكنني الحصول على هذا الإحساس ؟ وما هي كيفية إحساسي بهذا الشعور ؟

نحن نعيش في بحر من النور - نور الخالق - . هذا يعني أننا دائما في حالة تلقي البهجة والسرور من الخالق في إنائنا الروحي " الكلي . هذه هي إرادتنا أو الرغبة في التلقي أي " الأنا " والنور الإلهي يملؤنا دائما ً وبشكل مستمر بالبهجة والسرور ، ومع هذا الإحساس والذي هو في الواقع إحساس النور الإلهي نفسه. هو دائما ً وفي كل الأحوال الخالق بإستثنا أن الأمر يتوقف على ما نقول نحن ما هو ، والصفة أو الصيغة التي نجعلها عليه ، وما نطلق على ما يحدث لنا.

جميع الأحداث التي تحدث لنا ومعنا في هذه الحياة قد ارسلت الينا على النحو المباشر أي من النور من مصدره المباشر . ولكن اذا شعرنا بالنور بهذه الطريقة أي بشكل مباشر ، أي أن نشعر به من خلال الرغبة للتلقي لدينا ونحن لا نعرف السبب وراء هذه العطية . والذي يجب أن نسعى لعمله في هذه الحالة هو أن نحاول فهم الفكر وراء هذا الحدث أي أن نتسائل : " ما هي نوعية هذا العطاء ؟ وما هي نية الخالق وقصده من خلال ما يحدث معنا ؟ وكيف هذا الحدث مرتبط ومتعلق بالقوة التي تنمينا وكيف ستصل بنا إلى الشعور بالرضى والإكتفاء

فإذا كنا بوسعنا فهم واستعاب هذا الشعور عندها سيكون بإمكاننا فهم ما يحدث من حولنا أي ان نصل إلى المستوى الذي فيه تكون لنا رؤية جليًة للأمور ويكون همنا الوحيد مركز على السعي بأن تبرر عمل الخالق من المنطلق على أنه جيد وأن كل ما يأتي من عنده هو بركة ونعمة . فهذه هي صفات الرجل الصدّيق . لأن الرجل الصدّيق بالرغم مما يواجهه في الحياة من الحسن والسيء, فإن قلبه وفكره دائما ً موجه وراء قوة الخالق الخيّرة والحسنة والتي توجهنا في مسيرة حياتنا . إن الفرق بين ما نشعر به في نفسنا " أي الوعاء الروحي لدينا "، وما هو فكر الخالق وراء الحدث , أي الفرق بين فكرنا وفكر الخالق هو مصدر المعاناة.

التناقض بين طبيعتي أي - النية في التلقيّ وحب للذات - وبين نيّة الخالق في العطاء المطلق , هذا التناقض وهذا التباين ما يسبب لي الشعور بالمشقة والمعاناة . فإن قانون العطاء المطلق هو القانون العام الذي يحكم الكون وكل شيء فيه . وإن جميع قوانين الطبيعة مبنية على اساس هذه القانون وتسير تبعا ً له في كل إنسجام , وإستناداً عليه يتعين ويتوجب على جميع أشكال الحياة إيجاد التوازن ، وإلى الدرجة التي لا نحافظ بها على التوازن لقانون الحياة هذا, فإننا لن نجد إلا ّ المعاناة في كل جوانب الحياة وليس على صعيد الشخصي فقط بل إن الخلل سيؤثر على الإنسان وعلى محيطه على السواء.

الدراسة والبحث في نصوص علم حكمة الكابالا ليس لهدف المعرفة الفكرية بل من خلال الرغبة للإرتقاء فوق المعاناة هو الذي سيمكننا من فهم معنى وكيفية عمل القانون العام والذي يسير عليه الكون , كما ويشرح لنا سمات النور وسمات إرادة الأنسان الأنانية وكيفية إيجاد التوازن بتغير هذه الصفات الأنانية وإستبدالها بسمات النور ليتمكن الإنسان من خلق التوازن والتخطي فوق المعاناة.

إن نص " ليس هناك سواه " الذي تكلم به عالم الكابالا صاحب السلم ودونه عالم الكابالا الراباش يقول قد كتب

" ليس هنالك سواه - هذا يعني أنه ليس هنالك من قوة أخرى تملك القدرة على أن تقوم بأي عمل ما ضد إرادته . وما يراه الإنسان من أن هناك أموراً في هذا العالم تنكر وجود السلطة العليا، هذا سببه أن هذه هي مشيئة الخالق. وهذا ما يُعتبر تصحيحا ً والذي يُقال له " اليسار ترفض واليمين تُقرب من المحور الرئيسي "، معنى ذلك ان ما ترفضه اليسرى يعتبر تصحيحا ً. هذا يعني بأن هناك أمور في هذا العالم تسعى من البداية إلي تحويل وإبعاد الشخص عن الطريق الصحيح، والتي بواسطتها يُرفض الإنسان من القداسة

والفائدة من هذا الرفض أن من خلاله يحصل الشخص على الحاجة وعلى رغبة تامة إلى مساعدة الخالق له وفقا ً لإدراكه بأنه تائه من دون مساعدته.ويرى أنه لا يتقدم في العمل فحسب بل يُدرك أنه يرتد إلى الوراء ، وبذلك يرى أنه يفقد القدره على حفظ الوصايا حتى وإن كانت للوليشما ( ليس من أجل إسم الخالق ) وإنه فقط وعن طريق التغلب الحقيقي على كل العوائق فوق حدود المنطق يمكنه أن يحفظ الأسفار والوصايا .

بعبارة أخرى إنّ العالم قد شُكل وبُني بأسلوب نشعر أن النظام الذي يُسيّره مبني على " الأحداث الجيدة والسيئة " والشعور بأن هناك قوة معارضة ومقاومة لما هو جيدٌ فينا أي بمعنى أن هناك شيء يمنعنا من الشعور الجيد . والسبب بأننا نرى الأمور على هذا النحو أنها إرادة الخالق , والغرض من هذا هو مساعدتنا في تصحيح " الأنا " فينا.

الذي يحاول عالم الكابالا قوله هنا هو أن الشعور بالقوة التي تدفع بنا بعيدا عن قدرتنا بالإحساس بالخالق هو ما يسمى "بعمل التصحيح". هذه القوة هي جزء من النظام الذي تكلمنا عنه والذي يلعب دورا ً كبيرا ً في مساعدتنا في تصحيح " الأنا " فينا وهذا ما يُدعى "اليسار ترفض " أي إحساسنا بقوة الدفع بعيدا ً عن الخالق و" اليمين تُقرب من المحور الرئيسي " أي التقرب من الخالق.

هذا يعني أن هناك أشياء في العالم والتي تهدف من البداية بتحويل الشخص عن الطريق الصحيح وهذا يعني أنه عندما يرغب الإنسان بالإحساس بالخالق ويرغب بمعرفة القوانين التي تسيّر حياته ، أي أن يفصل الإنسان نفسه عن العالم المادي" وليس المعني هنا حياة التقشف "  ويرتقي بإحساسه للرغبة في إحراز العالم الروحي.

الإحساس في الدفع بعيداً -- نابع من الرغبة والنية في معرفة الخالق وبالتالي يوّلد الشعور بالحاجة في داخل الإنسان أي أن هناك حاجة محددة بدأت تتجلى في أعماق الإنسان , ونحن هنا لا نتكلم عن الحاجات والرغبات المادية كالسيارات الجديدة ، أو الثروة ، أو المعرفة ، أو النفوذ والسلطة , لا بل المقصود هو الرغبة للخالق والعالم الروحي.

وهذا يعني أن كل ما زادت الحاجة أو الرغبة يصبح التباين بين سماتنا الأنانية وبين سمات النور السامية ظاهراُ بشكل واضح وهذا التباين هو الذي يُمكنُنا من رؤية الشر " شر الأنانية وحب الذات في داخلنا " وهذا ما يُدعى في الكابالا " إباحة الشر الكامن في الأنسان " . ما هي الحاجة في الوصول إلى هذا الشعور ؟ هذا الشعور هو وسيلة القياس التي سنستخدمها في مراحل التصحيح , فكما شرحنا سابقا ً ان معرفة أي شيء تظهر بمعرفة ضده , فكلما زادت رغبتنا في معرفة الخالق زادت معرفتنا لواقع طبيعتنا الأنانية , وكلما زادت رغبتنا في التقرب من الخالق إزداد مقدار النور الذي يملاء " الكلي " أي وعاءنا الروحي أي نفس  الإنسان  .

ويرى بأنه لا يتقدم في العمل فحسب بل يُدرك أنه يرتد إلى الوراء أي يرى أنه يفقد القدره على حفظ الوصايا حتى وإن كانت للوليشما ( ليس من أجل إسم الخالق ). وإنه فقط عن طريق التغلب الحقيقي على كل العوائق فوق حدود المنطق يمكنه أن يحفظ الأسفار والوصايا

إنّ القوة التي نختبرها في واقع حياتنا من خلال الأحداث الجيدة والسيئة على مدار الحياة هي " لوضع الفكرة في مفهوم صورة من أجل  التوضيح لا غير " يسار ويمين الخالق الذي يهدينا من خلال كل العقبات التي تواجهنا في حياتنا هذا إذا كان لدينا إدراك الرغبة في التركيز وتوجيه النفس بشكل مباشر تجاه الخالق إلى أن يصل الإنسان إلى مرحلة فيها تستطيع الرغبة في داخله أن تتفوق وترتقي به فوق العالم الخيالي وتصل به إلى الإدراك الكامل بواقعه الكليّ  .

 

نشاهدكم في الدرس القادم

 

الصحيفة الشهرية

أضف الموضوع إلى صفحتك

Soundcloud


إكتشاف أسرار الوجود

إكتشاف أسرار الوجود والحكمة الخفية وراءه

 

إكتشاف أسرار الوجود
والحكمة الخفية وراءه
للتحميل الكتاب


إكتشاف أسرار الوجود - سؤال وجواب

 

إكتشاف أسرار الوجود -
سؤال وجواب
للتحميل الكتاب

دروس في علم الكابالا

self study-kabbalah.info

الحلقة الدراسية الحرة

هدف هذه الدورة الدراسية هو إعطاء 
فكرة عن ماهية علم حكمة الكابالا
وكتاب الزوهار 

  بإمكانك إرسال سؤالك من عبر الموقع 
وتتلقى جواباً